السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

هناك في المقهى!

أصبحت المقاهي هذه الأيام محطّة رئيسية من محطّات الثقافة، فإذا أردت دراسة سلوك مجتمع ما فاذهب الى المقهى، تجد نماذج متعددة من أنماط السلوك التي تعبر عن ثقافة المجتمع وحصيلته المعرفية وفعله الحضاري.

فقد تعددت احتياجات الناس للمقاهي، فمنهم من يذهب للمقهى من أجل تذوق نوعية معينة من البن أو الشاي أو العصائر التي اشتهرت بجودتها في ذلك المقهى، ومنهم من يرى أن ذلك المقهى هو الأقرب إليه فيقصده لتناول وجبة إفطار سريعة قبل أن يذهب إلى مقر عمله، ومنهم من يعرف أنه بذهابه إلى ذلك المقهى فإنه سيقابل صديقاً معيناً أو سيقابل من يحب هناك.

فالمقاصد كثيرة، وهي خاصة لكل شخص بذاته، لكن يمكن أن تكون هناك مقاصد عامة، كتجمع مجموعة من الرياضيين في مقهى معين فيقصده كل رياضي لمقابلة زملاءه، أو يقصده العامة لمقابلة لاعبهم المفضل.


كما يمكن أن تجد مقهى هو مقصد الفنانين، فيتجمع فيه الفنانون من كل مكان، كما يقصده المعجبون بأولئك الفنانين فيلتقون بفنّانهم المفضل في ذلك المقهى، وكذلك الكتّاب والمفكرون والفلاسفة كلٌّ له مقهى هو مكانه المفضل للقاء أو للفرار أو لغرض خاص.


حتى الساقطون في المجتمع لهم مقاهٍ معينة يقصدونها، فتجد الناس يتجنبون تلك المقاهي التي يقصدها الساقطون لأنهم لا يحبون الاحتكاك بهم، لكن أولئك الساقطين يداومون الذهاب إلى تلك المقاهي لمعرفتهم بأنهم سيلاقون أشباههم هناك، وكما قال المثل (الطيور على أشكالها تقع).

والمستغرب هو ظهور حالات جديدة لقصد المقاهي وهي حالات المتكبرين المتفاخرين عُبّاد المظاهر والماركات، وهي فئة جديدة نسبياً من حديثي الغنى بدؤوا يرتادون مقاهي بعينها وهم يلبسون أغلى الماركات من الأزياء والإكسسوارات، يدخلون ويخرجون بوجوه عابسة، ميزة تلك المقاهي أنها تتميز بالفخامة المفرطة والأسعار الفلكية، فقيمة كوب من الشاي أو قطعة من البسكويت لشخص واحد قد تساوي ما سيدفعه عشرة أشخاص في مقهى آخر.

تلك المقاهي تنتشر في عواصم عالمية في لندن و باريس وسويسرا، و حديثاً بدأت تنتشر في دول مجلس التعاون الخليجي.

الشاهد أن القهوة والشاي عماد المقاهي هي أسوأ ما يمكن أن تحتسيه في تلك المقاهي، بل جل ما يقدم هناك ماسخ وبارد ومزعج، لكن روّاد تلك الأمكنة لم يأتوا للشرب والأكل بل أتوا للتباهي والعجب.