الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أزمة التضخم.. ونفسية المستهلكين

أفرزت لنا سنوات الجائحة جيلاً جديداً من المتسوقين الذين ينفقون أموالهم بمزاج متوتر ومرتبك، وأحياناً مشحوناً بالحزن، نتيجة للتضخم القياسي الراهن، والواقع أن هذا الأمر يعكس مشكلة نفسية بالأساس لدى قطاع هائل من الزبائن، لأن ارتفاع الأسعار لم يكن معروفاً خلال العقود الأربعة الأخيرة، لدرجة أن جيلاً من المستهلكين لا يعرف الآن كيفية تحليل التوقعات المتعلقة بمستقبل الأسعار، فحتى البنوك المركزية استغرقت شهوراً وهي تصف الضغوط التضخمية بالمؤقتة، فيما تشير المعطيات الراهنة إلى أننا سنكون مضطرين للتعايش مع ارتفاع الأسعار بشكل مستمر.

من المنطقي أن يرتبك المستهلكون وهم يرون تهافت الكثير من التوقعات الاقتصادية التي لم تُصِب في الماضي، ولم تنجح حتى في التنبؤ بالأزمات، ومن الطبيعي أن يتحسسوا أموالهم، وهم يشاهدون الأخطاء المتكررة لبيوت الخبرة العالمية إزاء مستقبل الأسواق، بداية من النفط، ومروراً بالمعادن والسلع، وانتهاءً بالعملات المشفرة، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، فالزبائن حتى لو كانوا سعداء بإنفاق الأموال في الوقت الحالي، أو الابتعاد عن الوظائف التي لا يحبونها، فإنهم مع ذلك يشعرون بالخوف إزاء المستقبل المجهول.

إذا كان سلوك المستهلك في حالة تغير مستمر، فهذا يعني أن الماضي لن يكون دليلاً جيداً للمستقبل.

إذا كان سلوك المستهلك في حالة تغير مستمر، فهذا يعني أن الماضي لن يكون دليلاً جيداً للمستقبل، ويكفي التدليل على ذلك، بالأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث كانت الصناعة المالية قبل وقوع الأزمة تميل إلى تقييم الرهون العقارية عالية المخاطر باستخدام البيانات التاريخية حول احتمالات تخلف المستهلكين عن السداد، بينما أظهرت الأزمة تغير مواقف المستهلكين تجاه الديون، فقد كانوا في الماضي يتخلفون عن سداد بطاقات الائتمان أولاً، ثم قروض السيارات وأخيراً قروضهم العقارية، لكن في الأعوام الأولى من القرن الحالي، حدث تحول ثقافي تسبب في انعكاس هذا التسلسل إلى تخلف المستهلكين عن سداد قروض المنازل أولاً، وهذا ما لم يتوقعه الاقتصاديون أو المحللون.

من المحتمل جداً، ونحن في سنوات الجائحة، أن تكون هناك تحولات سلوكية قد طرأت على المستهلكين، ولم تتم دراستها بشكل دقيق، وهذا يعني أن هناك حاجة ملحة للاقتصاديين الآن للحصول على وجهة نظر مختلفة، ولعل النقطة المضيئة هنا، أن البعض يحاول فعل ذلك، مثل بنك إنجلترا، الذي يعطي فسحة لعلماء الإثنوغرافيا لدراسة الواقع الثقافي والاجتماعي للمستهلكين، وعلاقة الإنفاق الاستهلاكي بالظروف الاقتصادية، ونعتقد أنه ينبغي في الوقت الراهن توسعة مصادر البيانات الاقتصادية لتتبع التضخم بطريقة أكثر دقة وموثوقية.