الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التضخم.. شر لا بد منه!  

قال الرئيس الأمريكي دونالد ريغان يوماً عن التضخم: «عنيف كالبلطجي، مخيف كالسارق المسلح، قاتل كالقناص المحترف»، ولعل في ذلك تهويلاً، إلا أن التضخم وصل لمستويات شاذة، كما هي الحال في تركيا حالياً، حيث إنه تخطى الـ30% في 2021، نظراً لتهاوي سعر صرف الليرة، ووصولها لقيعان غير مسبوقة
القادة قد يشرعون أحياناً في استخدام عبارات تدغدغ العواطف وتُلهب الشارع، إلا أن التعريف الأصح هو كما جاء على لسان عالم الاقتصاد والاجتماع النمساوي لودفيغ فون ميزس، عندما قال: «التضخم هو زيادة في كمية النقود من دون أن يقابلها ارتفاع في الطلب على النقود»، حينها قد يلتبس على البعض، معتقدين أن التضخم هو غلاء الأسعار، لكن الغلاء ما هو إلا أثر للظاهرة التي ينحصر توصيفها في فقدان النقود قيمتَها. اتباعاً لنهج بعض القادة- لعلي استخدمت عنواناً فيه شيء من التهويل- فالتضخم ليس شراً كله، بل وجوده بنسب معقولة ضرورة مُلحة لاستدامة دوران العجلة الاقتصادية، لنتصور بيئة اقتصادية لا تضخمَ بها، يشتري المرء فيها منزلاً مثلاً بمليون، ثم لا يجد له بعد سنوات سوى مشترٍ مستعد لدفع مليون فقط، فما المغزى حينها من الاستثمار؟ وما الذي سيدفع المستهلكين للإنفاق؟
ولهذا، تتوافق المصارف المركزية الرئيسية في العالم، كالاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة والمركزي الأوروبي ومصرف إنجلترا وآخرين على تحديد نسبة 2% كمستهدف صحي للتضخم، إلا أن الحكومات أُجبِرت في سعيها لحماية اقتصاداتها- خلال العامين الماضيين- على ضخ مستويات غير مسبوقة من السيولة، تجاوزت حتى سبتمبر 2021 حسب رصد صندوق النقد الدولي 17 تريليون دولار.

المصارف المركزية الرئيسية في العالم تتوافق على تحديد نسبة 2% كمستهدف صحي للتضخم

النتيجة كانت سلامة الاقتصادات من شبح الكساد الحاد، الذي كان مصيراً محتوماً للإغلاقات الواسعة التي شهدتها المعمورة، ومع الزيادة العالية في السيولة المتاحة كان التضخم، حيث بلغ في الاقتصاد الأمريكي الأكبر في العالم بنهاية الماضي 6.8%، وتجاوز في منطقة اليورو 5%، والوضع ذاته في معظم دول العالم، مع توقعات باستمرار تصاعده قبل أن يستقر ثم ينخفض. بالطبع هناك مسببات أخرى للتضخم لا سعة هنا للخوض فيها، لكنها عابرة وستتلاشى تدريجياً، لتبقى السيولة العالية محفزاً رئيسياً لالتهاب نيرانه، فهي ما يتسبب في زيادة الطلب على بضائع وخدمات محدودة، ولا أرى أن الحكومات ستغامر برفع نسب الفائدة للمستويات المطلوبة لسحب السيولة، بل إن دولة كالصين خفّضت نسبة الفائدة منذ يومين، لتحفيز اقتصادها عبر رفع الطلب. الأيام حُبلى بالمتغيرات.. ومن الحصافة أن نخطط للتعايش مع التضخم لبعض الوقت.