الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كيف سيؤثر عزل روسيا مصرفياً على أسواق العملات الرقمية؟

اتفقت الولايات المتحدة وأوروبا على منع عدد من البنوك الروسية من استخدام شبكة سويفت. الخطوة نظرياً وعملياً ستعطل التحويلات البنكية بين روسيا والعالم وستسبب لا محالة أزمة كبيرة غير مسبوقة في قطاع البنوك. لنبدأ بإقرار ما نعرفه لنصل إلى السيناريوهات المحتملة.

«العقوبات على روسيا ستخلق عالماً مصرفياً جديداً مبنياً على العملات الرقمية»

اللافت في حزم العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وهي أحد أكبر الدول المنتجة للبترول، أن جميعها تستثني قطاع الطاقة تفادياً لأي زيادة محتملة في الأسعار، ولكن من المحتمل أن تصدر عقوبات جديدة إن تم الاتفاق مع منظمة أوبك بلس على زيادة الإنتاج لتعويض ما سيفقده السوق العالمي إن تم عزل روسيا، وللحفاظ على الأسعار عند المستويات الحالية حتى لا تحدث أزمات اقتصادية داخلية أكبر في الغرب، ولكن ذلك يعني أن روسيا لا تزال بإمكانها تحويل واستقبال أموال عائدات الطاقة، تلك ثغرة لا يمكن تجاهلها.

نتيجة للعقوبات، طرح البعض احتمالية لجوء روسيا إلى العملات الرقمية وشبكات البلوكتشين كشبكات بديلة لتحويل الأموال لتجاوز العقوبات.

الفكرة نظرياً ممكنة ولكن عملياً لا توجد لدى أي دولة في العالم باستثناء السلفادور، الأطر القانونية أو المؤسسية البنكية المناسبة لذلك حتى اللحظة ولا آليات العمل ولا التبني الواسع من قبل عملاء البنوك سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، ولذلك قد تكون العملات الرقمية مفيدة لتعاملات الأفراد تحت نظام مشابه للمقايضة، ولكن ستكون في غاية الصعوبة للمؤسسات لغياب البنية التحتية والمعرفة.

على الجانب الآخر من الصراع، لجأ عدد كبير من الأفراد بالفعل في أوكرانيا إلى العملات الرقمية لتفادي آثار الحرب على البنوك من إغلاق ووقف عمليات السحب والإيداع، وهناك قصص عديدة لاستفادة عدد من اللاجئين الأوكرانيين من العملات الرقمية للفرار بأموالهم من منطقة الحرب، وحتى الحكومة الأوكرانية بدأت حملة جمع تبرعات عالمية باستخدام بتكوين وإيثريوم لتمويل المجهود الحربي اللازم لمواجهة الغزو الروسي.

كل المعطيات السابقة تشير إلى استفادة كل أطراف الصراع من البنية التحتية للعملات الرقمية واحتمالية تدفق استثمارات كبيرة إليها، ونظريا زيادة عمليات الشراء ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار والوضع اليوم يشير إلى زيادة عدد المستخدمين وارتفاع نسبة تبني العملات الرقمية في العالم. تلك النتيجة تعتبر إيجابية إلى حد كبير بالنسبة لسوق العملات المشفرة.

ولكن يبقى السؤال كيف سيتعامل الغرب مع احتمالية استخدام الشرق للتقنيات الحديثة لتجاوز والتحايل على العقوبات؟ هل تبادر الحكومات الغربية بمنع تداول أو تجريم العملات الرقمية؟

أعتقد أن التجريم هو احتمال بعيد للغاية ولكنه بكل تأكيد وارد وعلى العكس أرى الوضع فرصة لتسريع وضع ضوابط واضحة للتداول والاستثمار في الأصول المشفرة، وأتصور أن ذلك الاحتمال هو الأقرب، لأن هدف الدول الغربية ليس التعطيل الكامل للاقتصاد الروسي ولكن لخلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والمجتمعي للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أؤمن دائماً أن في كل أزمة فرصة، ولعل أكثر الأزمات تشابهاً مع الأزمة الحالية هي أزمة كوفيد-19. حينما أجبر العالم على البقاء في المنزل، حينها لم يعد هنالك مفر إلا تسريع التحول التقني والاعتماد على التقنيات الحديثة في خلق بيئة عمل افتراضية تساعد في استمرار الأعمال، وهنا حدث التبني الواسع لكل تقنيات العمل عن بعد وأنظمته.

بالمثل، العالم اليوم يمر بلحظة محورية وفاصلة. الغد بكل تأكيد سيكون مختلفاً، وربما تلك اللحظة هي ما احتاجت إليه التقنيات الحديثة لأعوام طويلة.

اليوم تبني تقنيات البلوك تشين أصبح فرضاً لا اختياراً لعدد كبير من الحكومات والمؤسسات وخاصة الأفراد. وبناء على ذلك، هذا ما أتوقع أن يحدث خلال العامين المقبلين.

خلال الفترة القصيرة المقبلة، سيسيطر الخوف من الحظر والمنع على الأسواق. ربما يدفع الأسواق إلى خسارة كبيرة، ولكن بمجرد أن يزول غبار الحرب وتبدأ نسب التبني في الوضوح سيبدأ عالم جديد، به قواعد وقوانين واضحة تنظم عمل تقنيات البلوكتشين.

ربما ترتفع قيمة أسواق العملات الرقمية مئات الأضعاف وكذلك سيزداد عدد مستخدمي منصات التداول والاستثمار اللامركزية بينما ستزيد سيطرة الحكومات على منصات التداول المركزية المملوكة للشركات الخاصة، حتى تتمكن الحكومات من تتبع حركة الأموال وربطها بمصادرها وفرض القانون عندما يكون هنالك حاجة لذلك.

ولكن الضحية الأكبر ستكون البنوك والدولار الأمريكي، حيث ستصبح المنصات اللامركزية بديلاً عملياً أكثر أماناً من البنوك.