الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحروب و الأسواق... دماء و أموال

في ظل الأزمة الروسية- الأوكرانية التي تحولت إلى صراع عسكري. يمكننا التحدث في مواضيع عدة تهم الأسواق. لكن قد يكون النظر في تاريخ وإحصائيات حركة الأسواق عند نشوب حروب أو ضربات عسكرية مدخلاً مفيداً لإعطاء منظور أوسع بدلاً من الانجرار خلف قطيع ردود الفعل العاطفية.

مقولات مثل «في الأزمات تصنع الثروات» و«اشتر عندما تسيل الدماء في الشوارع» تبدو جلية في حالة الحروب، ورغم أنها ليست حصرية على الأسواق المالية فقط إلا أن الإحصائيات لحركة الأسواق السعرية تاريخياً تدعم ذلك، كما سنرى في الجدول المرفق لاحقاً.

لكن، هل يعني ذلك أن تشتري بمجرد سماع إطلاق صاروخ أو قراءة خبر قصف!؟ وهل هي قاعدة يمكن اعتمادها بشكل مطلق!؟ وهل تعافي الأسواق يتشابه في كل حادثة!...

من الواضح أن الحروب رغم سلبيتها بالمطلق وبعيداً عن المعيار الأخلاقي إلا أنها تحرك الكثير من الأعمال والقطاعات وعلى رأسها قطاع السلاح وصناعة الدفاع

إذ يعد التسلح من أكبر القطاعات في العالم، حتى إن البعض يذهب أبعد من ذلك بالقول بافتعالها أحياناً لاستغلال الميزانيات المخصصة للدفاع والسحب منها للتغطية على جوانب أخرى.

منطقياً يمكن القول إن الحروب تؤثر سلباً على بعض القطاعات خاصة القطاعين المالي والخدمي، و إيجاباً على قطاعات أخرى مثل القطاع العسكري والشركات المرتبطة بهذا القطاع من شركات تصنيع إلى مقاولين ومتعهدين إلى شركات النقل العسكري، وأغلبها شركات مدرجة في نفس السوق المالي وسينعكس ارتفاع عملياتها خلال فترة الصراعات على أرقامها مستقبلاً، وهو ما يحاول المتداول توقعه والاستفادة منه مبكراً قبل حدوث التأثير السعري للقيمة السوقية.

لسنا بحاجة لمزيد من الأبحاث لمعرفة أن الحروب تلقي بظلالها على السلع خاصة السلع الصلبة والمعادن مثل الذهب الملاذ الآمن إضافة لارتفاع الطلب على قطاع الطاقة.

يمكن إسقاط ما سبق على غير نوع من الأزمات كما رأينا من ارتفاع في قطاع التكنولوجيا وتطبيقات التواصل والمشتريات عبر الإنترنت خلال جائحة كورونا، بينما أثرت سلباً على قطاعات التجزئة الأخرى وقطاع الطيران كمثال.

وهذا ما يؤكد على أهمية تنويع الاستثمار بين القطاعات وعمليات التبادل عند بناء محفظة استثمارية، على الأقل لرفع مستوى التحوط.

بالعودة إلى الجدول أدناه لتوضيح تحرك مؤشر الإس آند بي والذي يضم أكبر 500 شركة خلال وبعد وقوع حوادث حربية وسياسية، نرى أنه ومنذ الحرب العالمية الثانية والتي ارتفع مع نهايتها مؤشر الداوجونز الصناعي بأكثر من 50% وبنحو 7% سنوي بالمتوسط خاصة بعد القاع المتشكل مع قصف بيرل هاربر في الشق الثاني منها، ونلاحظ أن التأثير ما بعد الخبر إيجابي على الأسواق حيث حققت انطلاقات مهمة بعد فترة من التذبذب وحالة عدم اليقين.

التعافي تحقيق القاع نسبة التراجع التاريخ الحدث
307 أيام 143 يوماً 19.8% 1941 بيرل هاربر
82 يوماً 23 يوماً 12.9% 1950 اجتياح كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية
18 يوماً 8 أيام 6.6% 1962 أزمة كوبا
1 يوم 1 يوم 2.8% 1963 اغتيال كينيدي
41 يوماً 25 يوماً 2.2% 1964 حادثة خليج تونكن
57 يوماً 42 يوماً 4.3% 1972 حادثة أولمبياد ميونخ
189 يوماً 71 يوماً 16.9% 1990 الغزو العراقي
31 يوم 11 يوماً 11.6 % 2001 أحداث سبتمبر
20 يوماً 14 يوماً 2.9 % 2004 تفجيرات مدريد
18 يوماً 7 أيام 1.2% 2017 قصف سوريا
41 يوماً 19 يوماً 4% 2019 قصف منشأة أرامكو

في المتوسط وخلال أكبر 20 حدثاً، تراجع المؤشر في المتوسط بحدود 5% واحتاج لأقل من 50 يوماً ليتعافى من الضرر الحاصل.

لكن بالتمحيص أكثر في كل حالة نلاحظ اختلاف نمط التعافي زمنياً، وتنحصر بثلاثة أشكال إما V ويمثل الصدمة السعرية والتعافي منها بنفس السرعة، ثم شكل U والذي يدل على تباطؤ حركة الهبوط ثم الالتفاف التدريجي للأعلى وأخيراً حرف L والذي يشير إلى الدخول في حركة ركود أطول نسبياً قبل معاودة الصعود.

نسبة توقع حدوث الحرب

تؤثر نسبة توقع حدوث الحرب في الأثر على الأسواق، ففي حالة وجود أحداث ما قبل الحرب يحدث التراجع السلبي حينها ويبدأ بمعاودة الارتفاع عادة خلال أول أيام عند البدء الفعلي للحرب كما حدث في حالة روسيا أوكرانيا، ثم يبدأ في التذبذب نتيجة لحالة عدم اليقين بينما يختلف التأثير في حالة الحرب المفاجئة بدون مقدمات ملموسة.

أما بالنسبة لعملية التعافي فيؤثر في تشكيل النمط عدة عوامل أهمها، موقع الحدث من الدورة الاقتصادية حينها ونسب الفائدة والسياسات النقدية، حجم الحدث وانتشار رقعته، إضافة إلى حالة الاستقبال النفسي للأحداث من قبل جموع المستثمرين وتقديراتهم المستقبلية لأثر الحدث وسرعة انتهائه والتي تؤثر بطبيعة الحال على عمليات العرض والطلب.

ويمكن أن يكون هذا أحد أكبر التساؤلات حالياً، من ناحية تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية وكيف ستؤثر على قرارات الفيدرالي بالنسبة لسعر الفائدة والسياسات النقدية، فيبدو من الإحصائيات الحالية تراجع نسبة توقع السوق للرفع 50 نقطة أساس من 60% إلى 13%، وهو ما يترقبه السوق حاليا والذي قد يشكل صدمة جديدة للأسواق امتداداً للصراع الروسي- الأوكراني.

الإجابة عن الأسئلة السابقة أعلاه قد تكون خادعة بعض الشيء، فبشكل عام نعم يمكن الاستفادة من هكذا أحداث وتشكيل قاعدة جيدة لبناء ثروة لاحقاً

لكن بعد دراسة وأبحاث لتحديد أدوات الاستثمار المناسبة وقت الحدث ثم وضع خطة دخول ودون إغفال لخط العودة وخطة التخارج إن اقتضى الأمر.

ومن وجهة نظر شخصية يبدو أن استبعاد اعتماد قرارات استثمارية بناء على الأخبار وقت الأحداث مهم جداً، فغالباً ما تهول القنوات الإخبارية الأحداث إما لأسباب تنافسية ومشاهدات الخ أو بسبب أجندات وانحياز ملاكها لجهات معينة أو أحد طرفي الصراع.

الاكتفاء بالنظر للحركة السعرية والنماذج الفنية مناسب أكثر لتحديد مناطق الدخول والخروج حيث أنها تعطي نتائج أفضل للمنظور القريب، واستعمل مخرجات التحليل الأساسي لتحديد القطاعات ذات الأساسات المالية الأقوى والتي غالباً ما تعطي تصوراً أفضل للمنظور الأبعد وقدرة هذه القطاعات على العودة والتعافي لاحقاً.