الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

التعاونيات.. اللاعب المرتقب

تطرقت الأسبوع الماضي في مقالٍ لقطاعات الاقتصاد، وكيف أن مكوناً مهماً من القطاع الثالث لم يلعب الدور المنشود منه لاعتبارات عدة، حيث سجلت المؤسسات الأهلية وذات النفع العام نجاحات مميزة، إلا أن نشاط التعاونيات اقتصر على تجربة خجولة، وخَتَمت بتثمين قرار الإمارات السماح للتعاونيات بتقييد وتداول أسهمها في منصات مستقلة في الأسواق المالية.

القرار شجاع كونه سيحرك مياهاً راكدة، وتنفيذه سيصادف الكثير من العراقيل.. بعضها منطقية وأخرى منها مصطنعة، سيكون هناك تحفظ مؤسسي كون الفكر التعاوني مختلفاً تماماً عن الأيديولوجية التجارية، وستبرز مخاوف بأن يؤثر تداول أسهم التعاونيات سلباً على نظرة المساهمين فيها، وأن يتعاملوا معها ككيانات تجارية صرفة.

هنا، تأتي أهمية ما ذكره القرار الوزاري بأن يكون قيد وتداول أسهم التعاونيات في منصات مستقلة، وليست تلك الحالية في الأسواق المالية التي تدرج فيها أسهم الشركات المساهمة العامة، إذ إن دور المنصات الجديدة هو تعزيز شفافية انتقال أسهم التعاونيات، وتبديد سيطرة المتنفذين عليها، دون الإخلال بالهوية والملكية التعاونية لتلك الكيانات.. أو التشريعات التي أنشئت بموجبها.

للتعاونيات إن تكونت بالشكل اللازم قدرة وقبول لا يجاريها فيها القطاع الخاص، فهي كيانات يملكها المجتمع

هذا الغموض كان أحد أهم أسباب محدودية توسع العمل التعاوني في العقود السابقة، إذ بالرغم من الدعم الرسمي الكبير لها لم تمارس نشاطها بنهاية عام 2020 سوى 42 تعاونية في الدولة، معظمها في نشاط التموين الاستهلاكي، بلغ إجمالي رؤوس أموالها 3.1 مليار درهم، وحققت أرباحاً مقدارها 1 مليار درهم، أي أن إسهام القطاع بأكمله جاء أقل من شركة مساهمة واحدة!

مع معالجة ذلك الخلل فهناك محفزات إضافية ستشجع تأسيس تعاونيات فاعلة في قطاعات شتى، إذ إن التعاونيات ليست خاضعة لقانون الشركات، ما يُتَوَقَّع معه تجنبها لضريبة أرباح الشركات، المزمع تطبيقها في دولة الإمارات بواقع 9% بدءاً من منتصف 2023، الأمر الذي سيمنحها ميزة تنافسية مقارنة بالقطاع الخاص وسيمكنها من تقديم منتجاتها وخدماتها بكلفة أقل للمستهلك.

وللتعاونيات إن تكونت بالشكل اللازم قدرة وقبول لا يجاريها فيهما القطاع الخاص، فهي كيانات يملكها المجتمع، ولعلها أفضل شريك للحكومات في مستهدفات تخصيص بعض الخدمات الحكومية، فتطلعات ربحيتها معقولة.. ومتوازنة مع أهدافها الاجتماعية، وإن حققت أرباحاً ستستفيد منها شريحة كبيرة من المجتمع، ما يتماشى مع النهج العام بتعميم الفائدة وعدم حصره في عدد قليل من الأفراد.

ربما - على سبيل المثال - سنرى حَمَلَة امتيازات مراكز «تدبير» يتحدون مستقبلاً لينشئوا تعاونية مختصة باستقدام العمالة، وربما نرى نماذج تعاونية أخرى، لكن الأمر الأكيد هو أننا سنرى مع تطور البنية التشريعية تعاونيات أكثر وأمكن.