الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أخطاء الفيدرالي الأمريكي تتراكم

في مؤتمره الصحفي بعد رفع الفائدة لأول مرة منذ 2018، أشار رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي إلى أنه سيتعامل مع أي وضع، سواء كان ذلك الوضع أفضل أو أسوأ من الحاضر!

الإشارة للأفضل أو الأسوأ تخص الوضع الاقتصادي من حيث نسب النمو والتضخم والبطالة، لأن الفيدرالي يعمل منذ العام الماضي بين مطرقة التضخم وسندان النمو.. فلو بالغ في رفع الفائدة قد يخفف فعلاً من التضخم، لكنه سيؤثر سلباً على النمو ونسبة البطالة، ولذلك يحاول أن تكون قراراته متوازنة وتدريجية، لكنها حتى الآن لا تحقق أهدافها بل تزيد من حجم المشكلة.

أخطأ الفيدرالي عدة مرات في وضع توقعات للتضخم في الأسواق بعد فتح الاقتصاد، عندما اعتبر أن التضخم سيكون مرحلياً ولن يستمر طويلاً، وبالتالي لا حاجة للتدخل السريع من قبله، ويبدو أن الخوف من التأثير على أسواق الأسهم، التي كانت تحقق ارتفاعات تاريخية، لعب دوراً في تأخير قرار رفع الفائدة.

أخطأ الفيدرالي بعد ذلك عندما أقرّ أن توقعاته كانت خاطئة وأن نسبة التضخم ستكون أعلى وستأخذ وقتاً أطول لتنخفض، لكنه لم يغير من سياساته واستمر في الترقب والانتظار، إلى أن أصبح قرار رفع الفائدة بنسبة صغيرة غير مؤثر، ولذلك رأينا أسواق الأسهم ترتفع بعد الإعلان عن القرار.

إن لم يتدخل الفيدرالي سيسجل التاريخ أنه شاهد الاقتصاد العالمي يتجه للركود دون أن يحاول حتى!

أما من ناحية المشكلة العالمية لسلاسل الإمداد، فالفيدرالي كان يشير إليها في تصريحاته وقراراته ويحذر من مخاطرها، لكنه كما يبدو لم يضع لها وزناً كافياً في توقعاته بخصوص التضخم، ما زاد من الأعباء التضخمية والمخاطر الاقتصادية.

وأخيراً جاءت الأزمة الروسية-الأوكرانية وما رافقها من عقوبات مالية واقتصادية على روسيا، لكن الفيدرالي مرة أخرى يتصرف ببطء شديد ويأخذ وقته كاملاً بينما الوضع الاقتصادي لا يحتمل ذلك.

لا شك أن الاقتصاد في كل العالم يعيش وضعاً استثنائياً، فبعد جائحة غير مسبوقة شهد العالم خلالها إغلاقات وانكماشات اقتصادية مؤلمة إضافة إلى تعطل الكثير من الأعمال وخطوط التجارة الدولية، دخلنا في أتون مواجهة روسية أوكرانية مباشرة، ودول الغرب القوية بشكل غير مباشر، والمستجد في هذه المواجهة أن الدول الغربية تستخدم السلاح الاقتصادي بشكل مفرط ضد أحد أهم اقتصادات العالم.

الأوضاع الاستثنائية لا تبرر التردد، بل إن التعامل مع أوضاع ومخاطر اقتصادية استثنائية تتطلب قرارات استثنائية وجرأة في امتلاك زمام الأمور كي لا تفلت وتؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

المطلوب من الفيدرالي أن يستخدم أسلوباً أقوى في سياساته، حتى لو كانت هناك تأثيرات مرحلية غير مرغوبة، وإلا فإن التاريخ سيسجل أن مجلس الفيدرالي الحالي شاهد الاقتصاد يتجه للركود دون أن يحاول منع ذلك.