الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

إنذار الفائدة.. البروفيسور والمايسترو

أخيراً، حدث ما توقعته الأسواق، فقد عاود مسلسل رفع الفائدة ظهوره من جديد، والبطولة والإخراج هذه المرة للبروفيسور جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، الذي زاد الفائدة بمستويات ضئيلة تكفي لتهدئة الطلب، وليس القضاء عليه، وبمقارنة بسيطة بين السياسات النقدية للبروفيسور، وما فعله سلفه «المايسترو» آلان جرينسبان قبل ربع قرن، والذي نجح في إتمام أشهر عملية تحول استثنائي لسحق الضغوط التضخمية، رغم انهيار وول ستريت، والتداعيات الاقتصادية الكارثية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فإن المقارنة بينهما تشير إلى أن معضلة باول الرئيسية تكمن الآن في غلبة المخاطر الجيوسياسية على العوامل الفنية في السوق.
بغض النظر عن أدوات البنك المركزي الأمريكي في كبح جماح التضخم الذي يحلق عند أعلى مستوياته خلال أربعة عقود، فقد أطلقت الحرب الروسية العنان لاضطرابات الأسواق، وبأسلوب خبراء الأرصاد الجوية، فإن طائرة الاقتصاد تقترب من المدرج بمعدل هبوط متدنٍ للغاية، مصحوبة برياح معاكسة، وضباب كثيف بفعل الجائحة وحالة عدم اليقين، وبرأيي، فإن إنذار رفع الفائدة لن يستطيع وحده إيقاف توغل التضخم الذي يزداد توحشاً طالما استمر إشهار سلاح العقوبات الاقتصادية المدمرة في التجارة الدولية، والتي تعقد من أزمة سلاسل الإمدادات، وتقفز بأسعار الشحن عند مستويات غير مسبوقة.

رغم محفزات الاحتياطي الفيدرالي، إلا أنه يتحمل مسؤولية استدعاء مارد التضخم من قمقمه

رغم محفزات الاحتياطي الفيدرالي التي أسهمت في منع تحول الركود إلى كساد محقق، إلا أن البنك المركزي الأمريكي يتحمل مسؤولية استدعاء مارد التضخم من قمقمه، خاصة بعد اعتراف رئيسه بخطأ توصيفه للتضخم بالمشكلة المؤقتة، ومع ذلك، نعتقد أن الفيدرالي تخلف شهوراً عن إدراك المسار الصحيح، رغم أن التاريخ الاقتصادي يؤكد أن مفتاح نجاح الاحتياطي الفيدرالي في ترويض التضخم ظل مرهوناً بالقرارات الاستباقية، وهذا الأمر لم يحدث هذه المرة، ونعتقد أن باول وفريقه يتحملون خطأ التأخر في تسريع إسعافات السياسة النقدية.

إذا تفاقمت المخاطر الجيوسياسية فستظل الأسواق عالقة ومضطربة، وهذا الأمر سيدعم المصرفيين المتشددين من رعاة رفع الفائدة أكثر، وسيؤدي تقليل السيولة إلى عواقب سلبية في أسواق السندات والأسهم، وإذا لم يتراجع التضخم خطوات للوراء، فقد يزيد الفيدرالي الفائدة بمعدلات قياسية، وهنا سينكمش الاقتصاد، وستكون الأسواق بصدد ركود أطول، وللمفارقة، فإن السياسة النقدية تماماً كالحياة، تقوم على المقايضة، شيء مقابل شيء، فلا تستطيع جهة ما أن تفوز بكل شيء، ولهذا، نتوقع أن يضطر الاحتياطي الفيدرالي على قبول بعض الأضرار الجانبية من أجل ضبط الأسعار.