الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

لماذا سيبقى الغاز الروسي مغرياً لأوروبا؟

منذ اللحظة التي بدأت بها الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، فرضت الدول الغربية واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا عقوبات فورية وقاسية تجاوزت 5500 عقوبة، هذه العقوبات الهدف منها إخضاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتدميره، وربما أيضاً تفكيك روسيا برمتها، والتخلص تماماً من دولة مزعجة مهددة للهيمنة الغربية، ليتجهوا لمنافسهم الصاعد -الصين- المتنامية بشكل مهول.

عطفاً على ذلك، شكّل قطاع الطاقة الذي يمثل أكثر من 40% من إيرادات روسيا معضلة في وجه تلك الدول، فهي تعتمد بنسب متفاوتة على النفط والغاز الروسيين؛ ما يجعل بعضها رهينة حرفياً لذلك، ولعل ذلك هو رهان بوتين، ومن هنا انطلق الحديث عن التحرر من هذه القيود وتنويع مصادر الطاقة والاستغناء عن الطاقة الروسية، ربما يمكن تحقيق ذلك على المدى المتوسط، حيث تحركت الدول الأوروبية لعقد اتفاقيات مع كبار المنتجين حول العالم، ورفع بعض القيود المحلية المتعلقة بذلك، ولكن هل سيعوض ذلك وارداتها من الطاقة الروسية؟

حتى مع نشوب الحرب في أوكرانيا وحجم العقوبات، أثبت الروس أنهم مصدر طاقة موثوق

في الحقيقة يمكن لأوروبا تعويض كميات الغاز الروسي لاحقاً عبر اتفاقيات جديدة تعقدها، لكن لا يمكنها غض النظر عن مميزاته التي يتفوق بها عن غيره، فالغاز الروسي يصل بشكل مباشر عبر خطوط أنابيب تجعل كلفة نقله قليلة وتدفقه مستداماً تحت أي ظرف، فحتى مع نشوب الحرب في أوكرانيا وحجم العقوبات الآن أثبت الروس أنهم مصدر طاقة موثوق يمكن التعويل عليه، فمثلاً عقدت ألمانيا اتفاقيات مع دولة قطر لتزويدها بالغاز استعداداً للتخلي عن الغاز الروسي، لتبرز بعدها عدة أسئلة مثل: كيف سيتم نقل هذا الغاز؟ وما المدة المستغرقة لوصوله؟ وما هي كلفة الغاز نفسه والنقل والتأمين؟ وهل من الممكن أن عاصفة في بحر العرب قد تؤخر وصول الشحنات؟ ناهيك عن أن حجم الكميات المطلوبة يحتاج إلى أكثر من مصدر، فقطر نفسها لديها عملاء آخرون، وبذلك لن ينافس مزايا الغاز الروسي إلا خطوط أنابيب جديدة تحمل نفس المميزات من الصعب توفرها، فالحديث عن إسرائيل ونقل الغاز عبر تركيا، والبحث عن مصدر أفريقي والتفاوض مع الجزائر كلها في طريقها للفشل لأسباب عديدة، أبرزها أن المنطقة المحيطة بمصادر الغاز هي في حاجته أصلاً وترتبط بعقود طويلة الأجل لإمدادها به، وبذلك يبقى الغاز الروسي مغرياً لمستهلكيه.

إن الهدف النهائي ليس التخلي عن الغاز الروسي برمته، ولكن تقليل نسبة الاعتماد عليه، وبلا شك أن الضرر قائم على الجانبين في كل الحالات، فحتى لو انتهت الأزمة الأوكرانية وتصافى الطرفان، سيبقى ذلك هاجساً يؤرق الغرب لمدة ليست بالقصيرة.