الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الاقتصاد العالمي.. وتفكك العولمة

العولمة هي الترابط المتزايد لاقتصادات العالم وثقافاته وسكانه، والناجم عن التجارة عبر الحدود في السلع والخدمات والتكنولوجيا وتدفقات الاستثمار والأشخاص والمعلومات.

ولقد أقامت البلدان شراكات اقتصادية لتسهيل هذه التحركات على مدى قرون عديدة، لكن المصطلح اكتسب شعبية بعد الحرب الباردة في أوائل التسعينيات، حيث شكلت هذه التجمعات التعاونية الحياة اليومية الحديثة، إذ منذ العصور القديمة بحث البشر عن أماكن بعيدة لتسوية وإنتاج وتبادل السلع، ولكن لم ينطلق التكامل العالمي حتى القرن التاسع عشر، وبعد قرون من الاستعمار الأوروبي، كانت تلك الموجة الأولى من العولمة مدفوعة بالبواخر والسكك الحديدية والتلغراف والتي أدت إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدان، ومع تضاؤل اتجاه العولمة بعد الحرب العالمية الأولى وما تلاها من الكساد العظيم، إلا أنها عادت وبقوة بعد الحرب العالمية الثانية حتى وقتنا الحالي.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية وبعد دخول الروس لأوكرانيا طغت العقوبات على الاقتصاد الروسي، حيث بدأ الغرب في الاستيلاء على أصول أغنى الأفراد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحظر الرحلات الجوية الروسية في مجاله الجوي، وقيّد وصول الاقتصاد الروسي إلى التكنولوجيا المستوردة، وفي تصعيد دراماتيكي جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأصول الاحتياطية للبنك المركزي الروسي وقطعوا روسيا ليس فقط من نظام المدفوعات المالية سويفت، ولكن من المؤسسات الأساسية للتمويل الدولي، بما في ذلك جميع البنوك الأجنبية وصندوق النقد الدولي.

قد ينقسم الاقتصاد العالمي الى كتلتين كبيرتين، واحدة موجهة نحو الصين والأخرى نحو الولايات المتحدة

ومهما كن الجدل على أحقية الإجراءات الغربية ومشروعيتها، إلا أن لها عواقب اقتصادية سلبية تتجاوز الانهيار المالي لروسيا، حيث ستشجع تلك الإجراءات الشعبويين والقوميين على إقامة المزيد من الحواجز أمام التجارة الحرة والاستثمار والهجرة وانتشار الأفكار.

إن الضرر الذي تلحقه العقوبات بالاقتصاد الروسي والتكاليف الكبيرة التي تتحملها أوروبا إذا قطعت روسيا وصولها إلى الغاز الطبيعي والنفط رداً على ذلك، قد تجعل الحكومات تسعى إلى الاعتماد على الذات وتفصل نفسها عن الروابط الاقتصادية، كما سيؤدي إفراط واشنطن في استخدام قوتها المالية إلى تحفيز الدول الأخرى على إيجاد بدائل أفضل للدولار ونظام المدفوعات من حوله، ومن المرجح أن ينقسم الاقتصاد العالمي إلى كتلتين كبيرتين، واحدة موجهة نحو الصين والأخرى نحو الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين وان اختلفت بعض الرؤى في هذا الجانب، حيث ستحاول كل من الكتلتين عزل نفسها عن الأخرى مما سيسرع من تأكل العولمة القائمة حالياً، وهي عملية ستكون لها آثار واسعة النطاق، فمع ترابط اقتصادي أقل، سيشهد العالم نمواً أقل وابتكاراً أقل.