الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العصر المحمدي الزاهر

كان أول لقاء مطول لي بصاحب السمو رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- منذ أكثر من 20 عاماً، وكان ذلك في مأدبة غداء خاصة أقامها أحد أفراد الأسرة على شرف سموه، لم يكن سموه قد عُينَ نائباً لولي عهد أبوظبي بعد، ومنحتني عدم رسمية الاجتماع الفرصة لأن أرصد ملامح شخصية مبهرة، وأن أدرك بأني في حضرة قائد فريد ذي شأن.

بالرغم من أن مسؤوليات سموه الرسمية انحصرت حينها في الجانب العسكري إلا أنه كان موسوعة غزيرة في شتى المجالات، حيث خاض بنا كربّانٍ متمرس ماهر في غمار السياسية والاقتصاد والاجتماع وغيرها من البحور، ما إن يُسأل عن أمر إلا وكان له الرأي العميق النير، الذي لم يزده ألقاً وجمالاً سوى تواضعه الجم وحميميته تجاه الصغير قبل الكبير.

رؤية سموه الاقتصادية بدأت تتضح ملامحها علناً مع تأسيسه لبرنامج «الأوفست» في 1992، البرنامج حَفَّز كل مستفيد أجنبي من عقود التسليح المحلية لأن يستثمر جزءً مما يجنيه في مشاريع اقتصادية تنموية محلية مشتركة، الهدف الأسمى لم يكن الاستثمار فقط.. بل جلب ونقل المعرفة.

أطلق البرنامج عبر السنين شراكات عالمية إماراتية عديدة رائدة، منها شركة خط الغاز ما بين الإمارات وقطر «الدولفين»، واشتد عود ذلك الكائن الوليد ليتحول من مكتب إلى مجلس إلى أن أصبح اليوم صندوق ثروة سيادي يتبوأ بحسب موقع globalswf.com المركز رقم 12 عالمياً، ويدير أصولاً قيمتها 284 مليار دولار ويُعرَف باسم «مبادلة».

إن كانت المعجزة السابقة قد أبهرت العالم فالقادم ينبئ بدولة تخطو وهي أكثر ثقة واستعداداً

وتكشفت الرؤية أكثر مع استلام سموه مهام ولاية عهد إمارة أبوظبي في 2004، حيث أقلعت المدينة في رحلة تنموية شاملة، فشهدت تأسيس سلسلة من الشركات العامة والخاصة التي لعبت دوراً محورياً في بناء أبوظبي الغد، وغدت صروح جامعية عالمية كالسربون أبوظبي وجامعة نيويورك أبوظبي عنواناً لرفعة منظومتها التعليمية، وأصبح مستشفى كليفلاند أبوظبي مثالاً لتميز بنيتها التحتية الصحية.

كما لا يمكن عدم التوقف عند تأسيس سموه لقطاع الصناعات العسكرية في الدولة، حيث أطلق في 2019 شركة إيدج لتضم شركات عسكرية فَرَّخَها برنامج الأوفست، وتستحدث شركات جديدة في ذات القطاع، لتَنظَّم في 2020 لقائمة معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام لأكبر 25 شركة عسكرية في سوق الأسلحة العالمي بعائدات تفوق 5 مليارات دولار.

ما سبق ما هو إلا غيض من فيض، يرسم طموح سموه وشعب الإمارات الذي يعانق عنان السماء، وإن كانت المعجزة السابقة قد أبهرت العالم فالقادم ينبئ بدولة تخطو وهي أكثر ثقة واستعدادا في خمسينيتها الثانية، مستفتحة في ذلك عصرها المحمدي الزاهر.