الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«الاكتفاء» أمن قومي

ظهرت في الآونة الأخيرة أزمة لا تقل خطورتها عن أي أزمة مرت على البشرية، واللافت أن سببها الإنسان نفسه، وهي أزمة نقص إمدادات السلع الغذائية الأساسية، وأهمها القمح والحبوب الزراعية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ومما لا شك فيه، أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها في ظهور هذه الأزمة، حيث تشكل روسيا وأوكرانيا أكثر من 40% من إنتاج القمح والحبوب الزراعية من حجم الإنتاج العالمي، إذ توقف تصدير الحبوب من أوكرانيا بشكل كبير، كذلك روسيا قررت حظر تصدير القمح والحبوب إلى الدول غير الصديقة، والتي تعني بها الدول التي تشارك بالعقوبات الاقتصادية ضدها، وما زاد الطين بلة قيام الهند أيضاً والتي تعتبر من كبار المنتجين للقمح بحظر تصديره.

من هنا دق ناقوس الخطر على الدول المستهلكة للقمح والسلع الغذائية، خاصة في عالمنا العربي الذي يملك من الأراضي ما تجعله يكتفي ذاتياً من إنتاج هذه السلع الغذائية الأساسية، والتي لا غنى عنها أبداً، فهي من أساسيات الحياة.

وإذا تناولنا الحلول العملية لمواجهة هذه الأزمة، فإنها تبدأ بعمل خطط فورية لتأمين إنتاج السلع محلياً، عبر تقديم دعم حكومي للمزارعين، وتقديم التسهيلات لهم، وكل ما يحتاجون كي تتم زراعة القمح أو غيره محلياً، والوصول إلى الاكتفاء.

تأمين السلع الغذائية بات يمس الأمن القومي لدول العالم، وعلى كل دولة الاعتماد على نفسها عبر عمل خطط استراتيجية بعيدة المدى

كما أن الدول التي لا تملك أراضٍ زراعية صالحة لزراعة هذه المنتجات، والتي تواجه مشكلة شح المياه، عليها بالاستثمار السريع مع دول أخرى بمنطقتنا العربية تمتلك الأراضي الزراعية، وفي حال وقوع أزمة نقص إمدادات المنتجات والمحاصيل تكون هذه الدول في منأى عن التضرر، مع ضمان استدامة الحصول على هذه المحاصيل التي لا غنى عنها.

الأزمة كشفت عن نقص إمدادات السلع والمنتجات الغذائية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وكشفت عن أن ملف تأمين السلع الغذائية بات يمس الأمن القومي لدول العالم، وعلى كل دولة الاعتماد على نفسها عبر عمل خطط استراتيجية بعيدة المدى.

فالعالم يملك من الأراضي الزراعية ما يمكنه من إنتاج أضعاف ما يتم إنتاجه الآن، لكن كما شاهدنا كيف تم استخدام تصدير السلع الغذائية الأساسية كورقة ضغط في الحرب الروسية الأوكرانية، وهذه الأزمة التي يعيشها العالم الآن عاشتها البشرية في حقبة الحرب العالمية الثانية، حينما حدثت أزمة نقص الإمدادات الغذائية، بمعنى أن هذه الأزمة لن تطول، فمجرد أن تنتهي الحرب ستعود الأمور إلى طبيعتها، ولكن الدرس الذي يجب على البشرية أن تتعلمه هو: «الأمن الغذائي مسألة أمن وطني».