السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«تفنيش الموظفين»

رغم تزايد التخوف من الركود الاقتصادي في أمريكا، إلا أن تقارير سوق العمل أظهرت في الأسبوع الماضي ارتفاعاً مستمراً في عدد الوظائف الجديدة بنسبة أكبر من التوقعات، ويستمر أيضاً معدل البطالة (3.6%) عند أدنى مستوياته منذ عام 1969، وما زال هناك ملايين الوظائف الشاغرة بشكل غير مسبوق حيث يوجد حالياً ما يفوق 11 مليون وظيفة شاغرة مقابل أقل من 6 ملايين باحث عن العمل من العاطلين.

وفي الوقت نفسه تقوم العديد من الشركات بالإعلان عن تسريح أعداد كبيرة من الموظفين وتعلن شركات أخرى نيتها القيام بذلك في الفترة القادمة، فعلى سبيل المثال أعلن إيلون ماسك أن تيسلا ستقوم بالاستغناء عن 10% من قوتها العاملة (ما يقارب 10,000 موظف) لأن لديه «شعوراً غير جيد بما يخص الاقتصاد»، ويلاحظ أن الغالبية العظمى من الشركات التي قامت بالاستغناء عن موظفين مؤخراً تعمل في قطاعات التقنية الحديثة التي شهدت نمواً كبيراً جداً في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تحقيق أسهمها تقييمات خيالية في فترة الفائدة الصفرية والضخ المتواصل للأموال من قبل البنوك المركزية.

ويلاحظ أن الغالبية العظمى من الشركات التي قامت بالاستغناء عن موظفين مؤخراً تعمل في قطاعات التقنية.

وعلى ما يبدو أن التصحيح الذي تمر به أسواق الأسهم يرافقه تصحيح في طريقة عمل القطاعات التقنية التي توسعت بشكل متسارع، بناء لمعطيات تبين فيما بعد أنها غير مستدامة، وهنا نشير مثلاً إلى بعض بورصات العملات المشفرة التي كانت تحقق أرباحاً مرتفعة وزيادة متواصلة في عدد زبائنها، لكن ذلك تغير فجأة مع تراجع أسعار العملات المشفرة وبالتالي ضعف الإقبال على التداول، فأعلنت الشركات الاستغناء عن مجموعات من الموظفين لديها، رغم أنها كانت حتى وقت قريب توظف بالمئات.

وفي رأيي أن كل تلك الإجراءات تعتبر جيدة، وإن كان الاستغناء عن الموظفين مؤلماً من الناحية الإنسانية، لكن استمرار الشركات التقنية في النمو مستقبلاً هو أمر في غاية الأهمية لكل القطاعات الأخرى، فلا بأس إن قامت الشركات بتعديلات في نماذج عملها للتأقلم مع الواقع المستجد.

إن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة ترقب حساسة يصاحبها ضبابية في توقع أوضاع السنوات القادمة، ومن المهم جداً ألّا نشهد انهيارات أو إفلاساً في قطاعات واعدة كما حصل في بداية الألفية، ولذلك فإن ما يجري من تسريح للموظفين بهدف ضمان استمرارية الشركات بوضع مالي صحي هو خطوة بالاتجاه الصحيح، بشرط ألا يتحول إلى عدوى بين الشركات تستخدمه بداعٍ أو من غير داعٍ.