الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المعجزة الصينية.. والتنين المريض

في أوائل عام 2021، كانت الصين في وضع اقتصادي تُحسد عليه، فقد نجحت في السيطرة على الجائحة بشكل مثير للإعجاب، وأصبحت البلد الوحيد الذي شهد نمواً في ذروة الوباء، رغم أنه انطلق منها، لكن الرضا عن النفس يعوق التعلم، وهذا هو السبب في أنها تتكبد الآن أثماناً باهظة بسبب افتقارها لاستراتيجية واضحة للخروج من الوباء، وإذا كان التعافي الصيني هو حجر الزاوية في نمو التجارة الدولية، وفك عقدة سلاسل الإمدادات، فإن الانكماش الحاد والمطول يهدد بتقويض المعجزة الصينية، الأمر الذي يثير الشكوك حول قدرة صانعي السياسة على هندسة انتعاش قوي.

والحقيقة أن معجزة الصين الاقتصادية فقدت زخمها خلال السنوات الماضية بفعل الرياح المعاكسة، والتي كانت تعاني منها قبل الإغلاقات التي قلّصت- هي الأخرى- من الناتج المحلي الإجمالي، وسط معضلات من عيّنة تفاقم أعباء الديون، وسوء تخصيص رأس المال، وانخفاض أعداد القوى العاملة، وبينما يواجه قطاع العقارات المتضخم عقداً من الانكماش، تشكل البطالة مصدراً للقلق، بالإضافة إلى اشتباك الاقتصاد الصيني المعتمِد على التصدير مع بيئة خارجية قاسية، من بينها إطلاق فتيل الحرب التجارية الطاحنة مع الولايات المتحدة، وعرقلة استحواذ الشركات الصينية على الشركات التكنولوجية في أوروبا.

يعتمد استمرار المعجزة الصينية بشكل حاسم على التعلم من دروس الماضي في إدارة أزمات المستقبل الصعبة ولهذا يتعين الاستمرار في تقليص المديونية مع الحفاظ على النمو الاقتصادي

يواجه التنين المريض الآن ضغوطاً اقتصادية رهيبة نتيجة لنموذج النمو غير الفعال والمحفوف بالمخاطر، والذي ضرب الإيرادات الحكومية في مقتل، وتسبب في فجوة تمويلية بنحو تريليون دولار، بفعل إغلاق شنغهاي، مركز المال والأعمال الرئيسي في البلاد لمدة شهرين، ولا شك أن مستهدف النمو هذا العام، والبالغ 5.5%، أصبح في خبر كان؛ فهو لن يتحقق بكل تأكيد، وكلها تحديات تعكس انخفاض فاعلية أدوات الاقتصاد الكلي، وضعف الاستجابة للظروف المعاكسة.

يعتمد استمرار المعجزة الصينية- بشكل حاسم- على التعلم من دروس الماضي في إدارة أزمات المستقبل الصعبة، ولهذا يتعين الاستمرار في تقليص المديونية، مع الحفاظ على النمو الاقتصادي، المسؤول الأول عن توظيف 10 ملايين صيني سنوياً، مع ضرورة التوفيق بين الانضباط المالي القائم على اقتصاد السوق وبين تعزيز سيطرة الدولة، وإطلاق يد القطاع الخاص، بحيث ينافس الشركات الحكومية بشكل قوي، إلا أن حل هذه الدوافع المتناقضة تحت ستار الاشتراكية الموجّهة سيؤدي حتماً إلى مزيد من العثرات، وسيولد تقلبات سوقية على المدى القصير، وبالتالي سيكون هناك العديد من حالات الصعود والهبوط خلال السنوات المقبلة، ومع ذلك فإن حجم الاقتصاد الصيني وتنوعه ومرونته أمور تبعث على التفاؤل في المدى الطويل.