الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

إسقاط نظام أم حكومة؟

حين هدرت حناجر المعتصمين في ساحة التحرير بالقاهرة أول مرّة بهتاف (الشعب يريد إسقاط النظام)، كانت العيون تتجه نحو شخص واحد هو الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لكونه صار لطول مدة حكمه الواجهة والمضمون في الوقت ذاته لنظام سياسي عام كرّس جموداً في الحياة الحزبية والسياسية لم يعد يتناسب مع المتغيرات، على الرغم من أن عامة الناس لم تقرأ أن مبارك ليس حلقة منفصلة، وإنما متصلة بسياق سياسي طويل ابتدأ في يوم إسقاط الملك فاروق في يوليو 1952.

في العراق اندلعت تظاهرات مطلع أكتوبر الجاري، تخللتها عمليات قمع دموي اعترفت بها الحكومة العراقية، وأعلنت أنها أنهت تحقيقات أجرتها لمعرفة الذين تسببوا بسفك دماء متظاهرين سلميين، كان هتاف بعضهم بعد يومين من اندلاع الاحتجاجات (الشعب يريد إسقاط النظام)، في سياق استيائهم العارم من الأداء الحكومي، متطلعين إلى تغيير الحكومة والبحث عن بدائل لإنقاذ الوضع المعيشي المتدهور، على الرغم من الثروة النفطية.

هناك مَن فسّر شعاراتهم على أنها أبعد من إسقاط حكومة والاتيان بأخرى جديدة، وإنما هي شعارات التغيير الجذري للانتقال من حكم تلعب العناوين الدينية دوراً حاسماً في الإدارة السياسية إلى حكم مدني، لم يعرف العراق غيره منذ استقلاله في عام 1921، وعزا بعضهم إطلاق الرصاص الحي إلى التفسير الذي رجّحه بعض الجهات المتنفذة في البلد بوصف أن المطالب ارتفعت لتغيير النظام برمته، وهو الخط الأحمر الذي يبرر بعضهم إراقة الدماء في سبيل عدم تجاوزه.


في لبنان بعد أكثر من أسبوعين من أحداث العراق، قامت تظاهرات سقفها تغيير الحكومة، ذلك أن لبنان لا بديل له عن تلك الثلاثية الارتكازية في الحكم التحاصصي المعروف، وهي تظاهرات تتشابه في بعض وجوهها مع تظاهرات العراق، من حيث المطالبة بتحسين الخدمات وتوظيف الشباب ومحاربة الفساد، ولها شبه آخر في أن السخط على الطبقة السياسية بات يوحد اللبنانيين كما وحّد العراقيين بعد سنوات من التمزق الداخلي.


لا يستطيع أي محلل سياسي أن يتجاهل تلك الصلة الوثيقة بين شعارَي المطالبة بإسقاط النظام والمطالبة بإسقاط الحكومة، هذه الصلة التي إذا استمر تجاهلها، وربما إنكار وجودها، فإن التداعيات ستكون سريعة وغير متحكم فيها على الإطلاق.