الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الشرق الأوسط اليوم.. الخريطة والمشهد

من خلال محاولة لقراءة مشاهد ما يدور في الشرق الأوسط من تجاذبات معلنة، وأخرى لا نكاد نراها إلا من خلال نتائجها.. دعونا نلخص المواقف الجيوسياسية والاستراتيجية في هذا الشرق الأوسط!، فسنجد أن الأمريكيين يغادرون الساحة من خلال سحب قواتهم من سوريا وإفساح المجال للأتراك، وكذا التخلي عن الأكراد للمرة الثانية في تاريخهم، فيما يسقط الأكراد وقضيتهم مؤقتاً، وفي الجانب الأخر من طاولة السياسة يركض الروس نحو الطبق السوري، ومن بعيد نلمح إمبراطوريات تحاول العودة من جديد.

في الواقع، تعد روسيا أكبر قوة خارجية في سوريا، وهي فعالة كوسيط وضامن، حيث أظهر اجتماع بوتين - أردوغان في 22 أكتوبر ونتائجه بوضوح، أن روسيا هي القوة الأكثر نفوذاً في سوريا تليها الولايات المتحدة كشريك أقل تأثيراً، لكن نفوذ روسيا نفوذ محلي، ينتهي عند حدود سوريا فقط، فروسيا لا يمكن أن تكون قوة عظمى كاملة الأركان، نظراً لقيود اقتصادية متعددة.

وأما ألعاب الأطراف الكاملة، فإنه إذا كانت الولايات المتحدة تلعب البوكر، وإيران تلعب لعبة الشطرنج، فإن روسيا تلعب لعبة الجودو وقلب الخصوم في آخر اللحظات، إن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط، هي فعل انعكاسي يستخدم فشل الخصوم لدكِّ خصوم آخرين، فروسيا تتدخل في الشرق الأوسط إن أمكن، وإذا لم تستطع ذلك، فستظل بعيدة وحذرة تنتظر الفرصة، وهي قد اكتسبت نجاحاً بهذه الاستراتيجية إلى حد كبير من خلال اغتنام فرصة فشل الأمريكيين وانسحابهم من مناطق تراها الولايات المتحدة الأمريكية خسارة بالبقاء فيها، بينما يراها الدب الروسي مرجاً أخضرَ.


نعم، الأمريكيون يغادرون سوريا، لكن ليس الشرق الأوسط بأكمله، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بأكبر وأقوى القوات العسكرية في الشرق الأوسط، وهي الآن أكثر تركيزاً على الخليج، فهي تحاول إعادة هيكلة التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط.


أما الأكراد فلم يعجبهم هذا الترتيب الجديد لأولويات أمريكا في الشرق الأوسط.. سقطوا هذه المرة!.. لكنهم لن يستسلموا، فقد أظهروا قدرتهم التي لا تضاهى على التأثير على وسائل الإعلام الغربية، والرأي العام من خلال الترويج لقضيتهم.

وأما بالنسبة للدول العربية، فمصر منكبّة ومنشغلة بمشاكلها الداخلية، وعلاقتها بالقارة الأفريقية، وتقدمت دول الخليج المشهد العربي بمشاريعها الكبرى في الشرق الأوسط والعالم، لكن الاستياء داخل الدول الشقيقة يعوق العمل الموحد والواجب للحيلولة دون عودة تركيا وإيران، وهذا هو الخطر الحقيقي!

وآخر المشاهد في الشرق الأوسط.. إسرائيل!، فهي في حيرة من أمرها بعد جولتين انتخابيتين لم تحسما تشكيل الحكومة الجديدة، لكن الإسرائيليين لديهم حظ للتخلي عن نتنياهو لإفساح المجال لتغيير الطرق القديمة، وفتح المجال للتكيف مع البيئة الجغرافية الجديدة، وهذه هي فائدة الديمقراطية!