الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لبنانيون بلا لبنان

الثورة اللبنانية 2019 هي ثورة حقيقية وجادّة، يحاول البعض تسفيه مشهدها.. غناءً ورقصاً.. ليجعل منه مهرجاناً للتسلية.. كما أنّ البعض بات يروّج - عن عمد - مقاطع لنساء ساذجات يتحدثن عن أشياء مثيرة للسخرية، على أمل أن تحجب المشاهد المثيرة الحقائق المريرة.

يوشك لبنان أن يكون دولة فاشلة.. استقبالات لا قيمة لها، وأحاديث لا وزن لها، ووعود لا وجود لها، وشعب يرزح تحت وطأة الحياة، تحاول نسوةٌ في المدينة أن تخطف الأبصار بعيداً عن مواجعه وآلامه.

ليس لبنان تلك المشاهد الكرنفالية التي نالت إعجاب المجتمع الفيسبوكي الركيك، ولكنه بلد الاقتصاد المنهار، والديون الخيالية، والبطالة المروّعة، إن ديون لبنان التي تزيد على 100 مليار دولار هي من أعلى مستويات الديون في العالم، والحديث العلمي عن «إفلاس لبنان» هو ما يذهب إليه جمهور الباحثين في العديد من المؤسسات.


في عام 2017 صدر تقرير لمركز كارنيغي بعنوان «إفلاس لبنان»، وكتب الباحث اللبناني سامي عطا الله كلاماً مهماً يوجب الصدمة: «النخبة اللبنانية لا تفكر في الإصلاح لأنها تستفيد من الإنفاق المفرط والتمويل بالديون، إنهم سيستثمرون ملف اللاجئين السوريين لكي يعقدوا مؤتمراً ويجمعوا الأموال»، ثم مضى الباحث يقول: «إن صناع السياسة في لبنان مفلسون أخلاقياً وفكرياً».


في عام 2018 نقل البطريرك الماروني بشارة الراعي عن الرئيس ميشال عون قلقه الشديد من إعلان إفلاس لبنان، وكان هذا بمثابة أول تصريح رئاسي يدور حول حجم الكارثة، ويشكو الساسة اللبنانيون من أن الميزانية لا تسمح، وقد كان البطريرك الراعي دقيقاً حين قال: «لا يحقّ للسياسيين اللبنانيين أن يقولوا: إن الخزينة فارغة، لأنهم - ببساطة - هم المسؤولون عن إفراغها».

تصل نسبة البطالة إلى قرابة 50% في لبنان، وهذه واحدة من أعلى النسب في العالم، وهو ما يجعل الشباب اللبناني بلا مستقبل، ولا عمل ولا أمل.

تتسكع المشكلات في معظم شوارع لبنان، لكن صور الاحتفالات والسهرات تحاول أن تصنع لبنانًا آخر لا وجود له إلّا في الفنادق وعلى الشاشات، لكن اللبنانيين شمالاً وجنوباً، عاصمة وأريافاً، شيعة وسنة، مسيحيين ودروزاً، وكل الطوائف، يجمعهم الهمّ والخوف.

لقد زرت لبنان عدة مرات، وأعرف كثيراً من قادتها، التقيت الرئيس ميشال عون في واشنطن، وزرت أربعة من رؤساء الحكومات، وتحدثت مع عشرات الوزراء والنواب والكتاب.

لبنان بلد رائع وشعب متميز، أدت نخبته الثقافية الرفيعة دوراً كبيراً في الحداثة العربية يستحق التقدير والإكبار، لكن حفنةً متعجرفة قد أسست ثقافة الاستعراض والفساد، حان وقت هزيمتها.

قالت لي الفنانة فيروز حين التقيتها عام 2005: «لا يزال عندنا أمل»، إن ذلك الأمل هو ما دفع اللبنانيين للخروج، وإذا مرّت ثورة 2019 باعتبارها مهرجاناً لا تغييراً.. فلربما يصحو العالم العربي يوماً على حقيقة مفزعة: لبنانيون من دون لبنان.