الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

إبداع الخداع!

ربما يطول بنا الحديث في باب واسع جداً أسميه باب إبداع الخداع، فقد ظللنا ولا نزال مخدوعين بمفاهيم كثيرة اعتبرناها بديهيات، ومسلمات غير قابلة للنقاش وإعادة النظر، رغم أنها خطايا كارثية ما زالت تنخر في عظام وعقول هذه الأمة وتؤدي إلى دمار ودماء حتى صار الدم العربي مجانياً، وتجاوز مرحلة أن يكون رخيصاً.

ومن هذه المفاهيم الكارثية مفهوم ومصطلح «الحاكمية» الذي قامت على أساسه جماعات الإرهاب والتكفير وألفت فيه مجلدات وكتب كثيرة، وتم حصره وحشره خطأً في المعنى السياسي أو السلطان أو الملك أو الرئيس أو ولي الأمر، والحق الذي أتحدى به أهل إبداع الخداع أنه لم يرد في القرآن أو الحديث أي إشارة إلى أن الحاكم أو الحكم هو السلطان أو الملك أو الرئيس، وأن لفظ الحاكم على ولي الأمر حديث جداً ولم يرد في القرآن والسنة.

وقال مبدعو الخداع إن آيات سورة المائدة ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ـ فأولئك هم الظالمون ـ فأولئك هم الكافرون) تعني ولي الأمر أو السلطان، وهذا كلام فارغ لأن المعنى هو الحكم القضائي وليس السياسي، ومن لم يحكم بين الناس، وليس من يحكم الناس، ومن لم يحكم نفسه وأهله وأسرته وحياته بما أنزل الله، وعندما يحدث خلاف بين الزوجين أوصانا الله بأن نبعث حكَماً من أهله وحكَماً من أهلها، والله تعالى يقول «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، وليس إذا حكمتم الناس، فدعوة الحكم بما أنزل الله موجهة لنا جميعاً وليست موجهة للسلطان أو ولي الأمر وحده، والله تعالى يقول: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم»، وليس حتى يحكموك فيهم، فالمقصود القضاء بينهم.


لا وجود للمعني السياسي على الإطلاق في مسألة الحكم والحاكمية في القرآن والسنة، والمعنى كله حول القضاء والحكم القضائي والمصالحات والمنازعات، وإقحام السياسة في مسألة الحاكمية والحكم تقوُّلٌ على الله ورسوله وكذبٌ على الله.. وهؤلاء ستكون وجوههم مسودة يوم القيامة، لأنهم لووا عنق النصوص لتوافق هواهم وأطماعهم السلطوية، وجروا خلفهم ملايين المخدوعين بخطاياهم، وهؤلاء هم الذين قال عنهم القرآن الكريم: «مالكم كيف تحكمون».