الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الفقر يقود الشارع

يشهد الشارع العربي حالة جديدة من الاحتجاجات الشعبية البعيدة عن مفردات السياسة والأحزاب والحسابات الطائفية الضيقة، هي حالة غير معهودة وحّدها الفقر والجوع رغم كل ألاعيب الساسة.

وما تعيشه عواصم عربية من احتجاجات لا علاقة له بالشعارات الرنانة التي عاشت عليها قوى سياسية ردحاً طويلاً من الزمان، بل مجرد أناس وحّدهم الفقر وجمعهم سوء الأحوال المعيشية، ليسقطوا ورقة التوت عن الكثير ممن ظلوا يزايدون طويلاً بأن رفاه الناس هو غايتهم.

الجماهير الخارجة إلى الشوارع العربية تريد تنمية حقيقية، وتطالب بمعيشة تحترم إنسانيتها، فقد ملّت الشعوب شعارات المقاومة والأيديولوجيات المتهالكة والدفاع عن المرجعيات، إذ لم توصلهم هذه «الكليشيهات» إلا إلى مزيد من البؤس والعوز، فلا فرص عمل ولا رعاية صحية ولا خدمات تعليمية ذات قيمة، فأي انتصارات وهمية وحزبية وسياسية يتحدث عنها بعض الساسة، وشعوبهم تغرق في حالة من الجوع أدت بهم إلى الكُفر البواح بكل ما قيل وسيقال؟


بيروت نفضت عن وجهها غبار الطائفية والحزبية الضيقة، وبغداد ثارت على المحاصصات المذهبية والتقسيمات الدينية، فالحشود التي تجمعت في ساحة رياض الصلح أو في ساحة التحرير بلغ بها السيل الزبى، بعد انكشاف الكثير من السياسيين الذين اتخذوا من الطائفية والحزبية والإسلام السياسي واجهة لإخفاء عوراتهم وفسادهم، فهم لا يرون في شعوبهم سوى وقود لمعاركهم المتبادلة التي لا ناقة للناس فيها ولا جمل.


الوعي الذي وصلت إليه الشعوب العربية اليوم يمثل حالة من العودة إلى فطرتنا السليمة التي لم تقص أحداً يوماً، ولم تتخذ من المذاهب والطوائف سلّماً للصعود إلى السلطة لتحقيق منافع شخصية، دون أدنى اعتبار لمطالب الناس وحاجاتهم، فمن خرجوا إلى الشوارع لا يريدون سوى العيش بكرامة.

باختصار، الشعوب العربية تؤكد أن الأنظمة التي انتهجت سبيل التنمية والاهتمام بمواطنيها، وجعلت رفاهيتهم غايتها الأساسية هي الأنظمة الأجدر بالحكم والولاء، أما مَن اتخذوا من دهاليز الحزبية والطائفية وتجيير الشعارات الدينية لأجنداتهم، فهم آخر مَن يحق له الحديث باسم هذه الشعوب، وعليهم الوقوف طويلاً ومراجعة سياساتهم والتأمل في التغيرات الحاصلة في بلدانهم.