السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

هل فاتنا القطار؟

في المأساة التي تحولت خبرا باردا نقرأ تفاصيله، أن الشابين المصريين الفقيرين ركبا القطار في عربة الدرجة الأولى، ولما لم يكونا يملكان قيمة التذكرة، فقد قرر «الكمسري» أن يفتح باب القطار المتحرك ويلقيهما إلى الخارج، فقطعت عجلات القطار رأس أحدهما، وتعرض الآخر لكسور!.. تلك فجيعة في خبر، لكنها تفضح المسافة الضوئية الفاصلة بين الواقع والدولة المنشودة.

حدث ذات مرة في بلجيكا، وفي قطار الساعة السادسة صباحا المبكر من مدينتي إلى مطار بروكسل، أني ولكي لا يفوتني القطار، استعجلت بركوبه قبل قطع التذكرة واتصلت بزوجتي بسرعة، وطلبت منها أن تقتطع تذكرة لي على الإنترنت، وترسلها «مصورة» على الواتس أب.

وفعلا في خمس دقائق كانت العملية منجزة، وكانت التذكرة في هاتفي ببصمتها الإلكترونية (البار كود).


أتى المحصل وفتحت هاتفي بثقة، لكن قاريء البصمة الإلكترونية لم يستجب ولم يقرأ صورة التذكرة على هاتفي، مما اضطر المحصل أن يرفض التذكرة، ويحرر لي مخالفة مالية تشمل أيضا سعر التذكرة.


رغم احتجاجي على ذلك، إلا ان المحصل حرر المخالفة بعد أن طلب هويتي الشخصية وأخذ معلوماتها، ثم أعلمني بابتسامة أنه يمكن لي التظلم عبر الإيميل والاحتجاج على الغرامة فيما بعد.

ما حصل بعد ذلك أني أضعت ورقة المخالفة، وصورة التذكرة الإلكترونية المرفوضة، وهذا وضعني في موقف حرج أمام الرسالة التي وردتني من هيئة السكك البلجيكية تطالبني بالدفع أو التحويل للمحكمة، فانصعت صاغرا للدفع، ولو رفضت الدفع فإن المحكمة ستحكم بأضعاف المبلغ لأدفعه، بدلالة عنواني المعروف والمسجل على الهوية، وإن تعذر الدفع الذي قد يصل تصاعديا إلى مبالغ كبيرة، فإن السيد محضر المحكمة سيأتي إلى بيتي ليحجز على ما فيه لبيعه بالمزاد.

في كل تلك العملية الطويلة، والتي تشمل كل شيء مشابه في أي فواتير مستحقة او ضرائب، فإنك لن تجد قوة أمنية، ولا رجال شرطة، ولا كمسري أصلا يفتح باب القطار ليخرجك منه حتى لو كان القطار واقفا.

تلك كلها خدمات أدفع ثمنها من ضرائبي، وهي ضمن منظومة حقوق وواجبات هي منصة مفهوم المواطنة والدولة.

لك عزيزي القاريء، ان تقيس على عالمنا العربي، وتدرك كم نحتاج إلى تفاصيل تفاصيل كثيرة لنصل إلى تلك المرحلة التي لا نصل فيها إلى هذا الحد من الفجيعة والوجع كما في حادثة القطار المصري.

كل ما ورد أعلاه حقيقي، لكنه غير واقعي وغير منطقي الحدوث في عالمنا العربي المأسوف على المواطن فيه.