السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

وزير تعليم يمنع التعليم!

«من المهد إلى اللحد»، هذه مقولة حكيمة مأثورة في تراثنا الذي يُجِلُّ طلب التَّعلُّم مدى الحياة؛ أي عدم قَصْره على عُمُر دون آخَر.

أقَرَّت المواثيق الدولية ومُنظِّرو التربية أنَّ التعليم حقٌّ لا يُقيَّد بعُمُر، لكنَّنا اليوم نَرى مَن يُريدون قَصْرَ التعليم العالي على سِنٍّ معيَّنة مخالِفين الاتِّجاهَ العالَمي، ومِنْ هؤلاءِ وزير التعليم العالي في موريتانيا الذي اتَّخَذَ قرارًا يمنع الطلاب الذين تجاوزوا سِنَّ الخامسة والعشرين من التسجيل في مؤسَّسات التعليم العالي التابعة لوزارته.

هذا القرار غريب؛ لا سيَّما مِن وزير «متعلم» ينتمي إلى سلك التعليم العالي!.. وإن تَعجَبْ فعَجَبٌ أنَّ مثل هذا القرار لم تعرفه موريتانيا من قبلُ!، وإنَّما يُطَبَّقُ الآن في وقت نَنتظِر فيه إصلاحًا شاملا للتعليم وإتاحتَه للجميع في عهد الرئيس الحالي الذي يُولِي التعليم اهتمامًا خاصًّا، وقد اتَّخَذَ إجراءات أوَّليَّة لإصلاحه، كما أوضحتُ في مقال سابق، والمؤسِف أنَّ تطبيق القرار صاحبَه قمعٌ عنيف للطلبة المحتجِّين عليه!.


وليعلم الوزير أنَّ الدول المتقدمة وكثيرًا من دول العالَم الثالث، التي تحترم الإنسان تفتح باب التعليم العالي لمواطنيها بدون قيد عُمُرِيٍّ (وقد يستثني بعضُها تَخصُّصات قليلة)، باعتبار التعليم حقًّا وشرطًا للتقدم، حتى إنَّ بعضَ الدول، كالصين، أنشأت جامعات خاصَّة بالْمُسِنِّين، وأقرَّت دولٌ كثيرة نظامَ الانتساب لتمكين الموظَّفين وكبار السِّن من متابعة دراساتهم العليا.


فهذه الدول تَعتبِر التعليم حقًّا وغاية قبل أن يكون وسيلةً، فإذَا لم نُوفِّر للمواطنين فُرَصَ العمل، فلنُوفِّرْ لهم فُرَصَ التَّعلُّم ليَعمَلُوا في بلدان أخرى وتستفيد بلادُنا منهم، فما أكثر أبنائنا الذين هاجروا بحثًا عن عَمل حين لم يجدوه في بلادهم.. قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ)، ومن أبواب الرزق طلب العلم.

فالتعليم مَصدرٌ من مصادر الثروة، وهو مصدر لا ينضب، فماذا تَخشى وزارة التعليم العالي من تسجيل هؤلاء الطلاب، هل تخشى انضمامَهم إلى جيوش البطالة بعد تَخرُّجِهم!، هناك دولٌ عديدة تُعلِّم أبناءَها وتُصدِّرهم إلى الخارج، فالعَمَلُ ما هو إلا ثَمَرة من ثِمار التعليم المتعدِّدة.

فبالتعليم نَكتسِب المعرفة، ونَتَعَلَّم كيف نُفكِّر وكيف نَحْيَا ونَعيش في عالَم مضطرِب بالصراعات والعنف، ولأَنْ يَنضَمَّ الخريجون إلى جَحافِل البِطالة خيرٌ لنا ولهم من أن يَنضمُّوا إلى جيوش الإرهاب والتطرُّف.