الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الاحتجاجات العالمية والرأسمالية المتوحشة

لقد تابع الكثير منا مؤخراً عدداً من الاحتجاجات التي جرت في أكثر من منطقة ودولة وإقليم في العالم، فمن الإكوادور وتشيلي وبيرو وفنزويلا إلى كتالونيا وفرنسا وروسيا وصولاً إلى هونغ كونغ ودول المنطقة كالعراق ولبنان والجزائر وغيرها.

وقد تعددت الأسباب وراء ذلك، لكن قِسماً منها كان متعلقاً بسوء الأوضاع المعيشية وغياب العدل وتكافؤ الفرص، إضافة إلى البطالة والديون والفساد وتأزّم الأوضاع الاقتصادية بالمجمل.

وغني عن القول إن أحد الأسباب التي أوصلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى هذه الدرجة من التدهور هو تحول بعض الدول إلى ما يعرف باقتصاد السوق، أي تبني النمط الرأسمالي المتسبب أصلاً بالكثير من المشكلات في دول منشئه، وتبعاً لذلك فقد جرت عمليات الخصخصة المعروفة، وتم بيع القطاع العام ورفع الدعم عن المواد الأساسية وإلغاء مجانية التعليم والعلاج وتعويم الأسعار وفرض الرسوم والضرائب وانتشار البطالة وغيره.


وكانت حكومات هذه الدول قد تخلت عن تقديم الخدمات العامة لصالح منظومة كاملة من الشركات والمؤسسات والمستثمرين، وجماعات المصالح في الداخل والخارج، ما جعل المجتمعات ترزح تحت رحمتهم.


سلمت الكثير من المرافق السيادية والاقتصادية لهذه الجهات في عمليات شابها كثير من الشبهات والمحسوبيات وغيرها.

وأدى ذلك إلى إدخال الدول في دوامة الاستدانة والغرق في الجدولة، وكان كل ذلك وفق خطة مدروسة من كبرى الدول، والتي تسببت بإفقار المجتمعات وانتشار الأزمات الاقتصادية وفشل الحكومات، ما أخرج الشعوب بعدها محتجة على ذلك، ومحاولة استرداد دولها من صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين سلمت لهما.

لقد استطاعت الرأسمالية المادية المتوحشة المصدّرة إحداث تغييرات وتحولات جذرية ومأساوية كبيرة في المجتمعات منها التمايز الطبقي؛ حيث اضمحلت الطبقة الوسطى وتركزت الثروات في أيدي فئة قليلة من الناس، وأصبح قليل من الأغنياء يملك كثيراً من أموال الفقراء.

إنّ التوحش الرأسمالي إذا دخل منطقة أذل أهلها، وقلب حياتهم جحيماً، وامتص ثرواتهم ومدّخراتهم، وأنهكهم بالضرائب والرسوم وجعل الشركات واللوبيات تتحكم بهم، وأوجد فيهم طبقات سياسية فاسدة قد تصل بهم إلى طريق مسدود وخطير، وقابل للانفجار في أي لحظة.

من هنا جاءت هذه الاحتجاجات العالمية ـ التي نشهدها اليوم ـ كصرخة في وجه الحكومات، التي سارت في هذا الطريق، وسلّمت شعوبها لموجة الرأسمالية الغازية، التي أزّمت كل شيء بما ذلك الدولة والمجتمع والأفراد.