الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لبنان.. الدولة المدنية والسلاح

تعهد الرئيس اللبناني ببناء دولة مدنية والتخلص من براثن الطائفية، التي تعتبر السبب الرئيسي في الأوضاع التي يعيشها اللبنانيون، جراء وصول أشخاص لا يتمتعون بأي كفاءة إلى المناصب الحكومية بناء على المحاصصة والتوزيعات الطائفية.. فهل النظام السياسي اللبناني فعلاً قادر على نفض غبار الطائفية والدخول في حالة حقيقية من إصلاح الدولة؟.

الواقع يقول عكس ذلك تماماً، فرغم الحشود الضخمة والغاضبة التي تحتشد في شوارع المدن اللبنانية، إلا أن السلاح يبقى هو الفيصل فلا صوت يعلو فوق صوت البندقية، فأي فصيل أو حزب يمتلك السلاح لن يكون جزءاً من دولة مدنية، أصلاً هو غير مقتنع بها، ويرى فيها انتزاعاً للمكتسبات التي حققها نتيجة قدراته العسكرية خارج إطار الدولة والقانون.

مدنية الدولة اللبنانية تبدأ من نزع السلاح من جميع الفصائل والجماعات وحصره في يد الدولة ممثلة بالجيش والأمن، أما أن تبقى الأغلبية تحت مظلة الحوار والنقاش السلمي فيما هناك مَن يراقب من بعيد، فإذا أحس بأي خطر على امتيازاته ومكتسباته هدد بالنزول إلى الشارع بعناصره المدربة والمسلحة تسليحاً عسكرياً تاماً، فعن أي مدنية نتحدث وعن أي صندوق انتخابات يفرز الأكفأ والأفضل لتسلم المسؤولية.


إشكالية لبنان ليست في براثن الطائفية فقط، بل في المتعصبين لها ممن يمتلكون السلاح ويوجهونه إلى الداخل اللبناني كلما «دق الكوز بالجرة»، فالطائفي غير المسلح قد تجد معه حلاً إما بالحوار والنقاش أو بإجباره بقوة القانون على السير في ركاب المدنية، بعكس مَن يمتلك السلاح فهذا لن يتنازل ولن يتغير ما دام يستطيع أن يغير قواعد اللعبة متى وكيفما يشاء.


وجود السلاح خارج يد الدولة هو أساس مشاكل لبنان واليمن والعراق وغيرها من الدول، إذ أن ما يجري اليوم في بيروت لا يختلف عما يجري في بغداد أو صنعاء، فجميع المسيطرين على مؤسسات الدولة والمناصب الحكومية جاؤوا بقوة البندقية لا بقوة الطرح والفكر والقدرات الوظيفية، إلى المرحلة التي باتت معها هذه العواصم قابلة لأي شيء إلا الحياة.

بالمحصلة، فإن المدنية لا يمكن أن تنشأ بالتمنيات والتعهدات في الوقت الذي تحيط بغرف الحوارات والنقاشات آلاف البنادق والمدافع، فأي مدنية نتحدث عنها وهناك مَن يعلن الحرب ويرسل جنوده للقتال في دول أخرى، وأعمدة النظام السياسي يتفرجون وكأنهم جمهور مسرح في الهواء الطلق؟.