الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

موسم "الهجرة" إلى إفريقيا

هناك اليوم إهتمام عالمي غير مسبوق بالقارة السمراء، جعل الدول الكبرى تشد الرحال إليها، وتعقد المؤتمرات والقمم للتعاون معها والتي كان آخرها القمة الروسية – الإفريقية، وقد سبقتها قمة مع الصين ومع دول وتجمعات دولية أخرى، وقامت بعض هذه الدول بتأسيس شراكات وعمل اتفاقيات كبرى معها لقناعتها أنّها قارة المستقبل، فقد نقل ستيفن بادوانو في مقال له في مجلة «فورين بوليسي» عن أنطون موروزوف عضو مجلس الدوما الروسي قوله: « إنّ القوى العظمى التي تتنافس في هذه القارة ستحدد مستقبل أجندة العالم».

فالقارة البكر كما يطلق عليها تتمتع بمواقع استراتيجية ومنافذ بحرية مهمة وطبيعة خلابة وأراض زراعية خصبة، وموارد وخيرات مخبأة فيها تنتظر من يستخرجها، ومساحات شاسعة يسكنها مئات الملايين بحاجة إلى عمليات بناء وتنمية وتحديث ضخمة، والتي حالت عوامل عدم الاستقرار السياسي والحروب والانقلابات والفقر والتبعية للغرب ودفع بعض دولها فواتير مالية للمستعمر الفرنسي، تشّكل نسبة كبيرة من ميزانياتها دون ذلك، إضافة إلى عدم وجود رؤية مستقبلية واضحة عند معظم بلدانها.

كل ذلك جعل دولا مثل أمريكا وأوروبا والصين وروسيا والهند وإسرائيل تحاول إيجاد مكان مؤثر لها فيها.


وعادة ما ترفع هذه الدول شعار التعاون مع دول القارة الإفريقية والرغبة في مساعدتها وتنميتها عبر عشرات الاتفاقيات والمشاريع بما يعود بالنفع على شعوبها، مع العلم أنّ بعض هذه الدول هي من كانت سببا في تأخرها ونهبها وصراعاتها وحروبها وتصدير السلاح لها.


لكن، مالذي تريده حقيقة هذه الدول من القارة المجهولة كما توصف؟، إنّهم بكل تأكيد ذهبوا إليها جميعا ليتنافسوا ويتصارعوا جيوسياسيا واقتصاديا وغير ذلك، بعد أن قاموا بذلك سابقا في مناطق أخرى من العالم، مثل الشرق الأوسط والنتائج واضحة للعيان حيث لم يخلّفوا وراءهم سوى الدمار والحروب والتبعية والنهب والفقر والفساد والتأخر، وبالطبع فإنّ هذه الدول ستبدأ لاحقا بالتدخل في الحياة السياسية هناك، وفي الانتخابات وبتشكيل الجبهات الموالية والواجهات والوكلاء وغيره.

إنّ القوى الكبرى اليوم تحاول فيما بينها تقاسم الكعكة الإفريقية تحت عناوين وشعارات تعاونية وتنموية برّاقة، فيما يبدو أنّه غزو واستعمار من نوع جديد وبثوب مختلف، والغريب أنّ الدول الإفريقية تصدّق وترحّب وكأنّها لم تتعلم من الدروس التاريخية السابقة ولا من العلاقات الدولية حيث لا يوجد شيء بالمجان وبلا ثمن.