الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الثورة في العراق .. أزياء الشباب ونمط الحياة

تقترب التظاهرات العراقية من نهاية شهرها الثاني، المتظاهرون الشباب يمسكون بثلاثة جسور في الأقل تفصلهم عن البقعة الخضراء التي تتواجد فيها الحكومة كمنطقة عازلة عن الشعب. رغم هذه المدة الطويلة والتي هي الأولى من نوعها في تاريخ العراق المعاصر، فإن سوء التفاهم لا يزال قائماً بين الطرفين. الشباب يقولون «نريد وطناً» فيأتيهم الجواب بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع بنسختها القاتلة.
الشباب لا يتراجعون، نظموا حياتهم في التكيف على البقاء في مواقعهم. احتلوا البنايات الشاهقة وأثثوها بما يسمح لهم بالمطاولة وابتكروا أساليب طرد الملل بمساعدة المجتمع المحلي الذي يتدافع لتوفير شروط تواجدهم. حيث وجبات الطعام والمستلزمات الطبية ووسائط النقل الرشيقة والشعبية. المناطق التي يحتلها المتظاهرون هي من أجمل المناطق في المدن لأن الشباب عملوا على أدامتها وتزيينها وقدموا على جدرانها مواهبهم في الرسم والتلوين وهذا نوع من سوء الفهم بين من يسرق الوطن وبين من يريد أن يجعله جميلاً، بين من باعه لدول الجوار وبين من يريده لأهله.
هذه المعركة التي نتابعها بالبث المباشر على مدار الساعة من قبل المتظاهرين أنفسهم، خلقت رمزياتها الخاصة من طرق التعبير والأزياء ووسائل الظهور والتخفي. وما يشد الانتباه في كل ذلك، أن أغلب المتظاهرين الناشطين هم ببنية جسدية نحيفة وبملابس عصرية، جرى تحويرها لتنسجم مع المهمة التي يؤدونها، فهي في الغالب ملابس خفيفة وبأحذية رياضية يأتي العلم العراقي ليجعلها مبهجة ثم يزينها كمام الوقاية من دخان القنابل المسيلة للدموع. فيما تتحرك الفتيات المسعفات بصدريات بيضاء وسط زحمة المركبات الرشيقة التي يطلق عليها محليا التك تك. صورة مختلفة عن الحياة اليومية لمدينة بغداد على سبيل المثال، عالم جديد يتأسس في مناطق التظاهر ونوع من الهوية الوطنية يستنهض من أعماق النفوس ترافقه صناعة حياة مميزة. التظاهرات في العراق، ليست مجرد تحدٍّ للحكومة المتهمة بعدم الولاء لبلدها وبفسادها الذي جاوز كل حدود الخيال، بل هي ترسم صورة أولية للعراق الذي يقترحه هؤلاء الشباب. بغداد ومدن العراق الأخرى، تعيش هذه الأيام رغم الأحزان بفقدان مجاميع من خيرة أولادها، ولادة جديدة بدأت منذ اليوم الأول من أكتوبر وتواصلت حتى الآن، وهي في طريقها لكي تتحقق. بغداد قبل هذا التاريخ هي ليست نفسها بعده.