الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

بين الثورة والحراك..تغيير الخطاب

ذهب عدد غير قليل من علماء النفس والمؤرخين أن “الجماهير” في لحظة معينة تتحرك بالانفعال والمشاعر الجياشة، دون عقل أو تفكير، وكان شاهدهم على ذلك ما جرى في عدد من الثورات والانتفاضات أو الهبات الشعبية عبر مراحل التاريخ المختلفة وفي كل الدنيا تقريبا.

وما جرى في الثورة الفرنسية خير دليل، صحيح أن الثورة انتهت إلى النصر ولكن عبر عصر من الإرهاب وبحور من الدماء، ولماذا نذهب بعيداً؟، فأمامنا رومانيا سنة 1989، حيث تحركت الجماهير وتم إلقاء القبض على الرئيس “نيكولاى تشاوسيسكو” وجرت محاكمته والحكم عليه بالإعدام وتنفيذ الحكم في دقائق، وخرجت الصحف الغربية تتحدث عن مفاسده بما يعنى أنهم كانوا سعداء بما جرى.

غير أن تحركات الجماهير العربية في العام الأخير تقول غير ذلك، تحديدا في السودان والجزائر ولبنان والعراق، يبدو أن الجميع استوعب جيدا الدرس الليبي والسوري تحديدا، حيث يمكن للإندفاع العنيف، المحمل بانفعالات حادة أن يجرف كل شىء في طريقه، فتنهار الدولة أو يدخل المجتمع في احتراب أهلي وتنفجر براكين الطائفية والعرقية المقيتة، ويأتى الأجانب من كل حدب وصوب بملشياتهم وإرهابهم وقواعدهم العسكرية وتدخلاتهم الفجة.


وهكذا وجدنا تحركات العام الأخير تتواضع في مصطلحاتها وتسمياتها، بدلا من الثورة صرنا نسمع “الحراك”، وبدلا من المطالبة باسقاط المؤسسات نجد حرصا على بقائها ووجودها وعدم المساس بأي منها، بينما في عام 2011، وجدنا يد التدمير تمتد في ليبيا إلى كل شىء، وفي مصر كان هناك تيار ينادي بضرورة إسقاط كل المؤسسات تماما، وتحديدا الداخلية والقضاء والجيش والجامعات والإعلام، وقد جرت بروفات لكل ذلك، حيث اقتحمت السجون ودمرت أقسام الشرطة مساء يوم 28 يناير 2011 ثم حاولت يد الهدم والتدمير أن تمتد إلى كل الموسسات.


وفي 2011 كان المطلب الإطاحة بكل الرؤوس وتعليق اصحابها على المشانق، حتى وجدنا مشنقة رمزية تنصب في ميدان التحرير بالقاهرة، لكن في 2019 نجد الأمر مختلف.

قد يكون الحوار مع المسؤولين والوصول إلى صياغة مشتركة للتعايش والإصلاح وهذا حدث في السودان الشقيق، أو الضغط عليهم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والإصلاح السياسي كما هو الحال في الجزائر.

إن الشارع والجمهور العربى يزداد خبرة ويزداد وعيا بضرورة تجنب الإنهيار وتبديد الأوطان، وهناك حكمة عربية ساخرة تقول: “بدلا من أن يكحلها عماها”، والبعض في 2011 أرادوا تكحيل عيون الوطن فأعموها، وفي 2019 يحاول الجميع تجنب تلك النهاية.