الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الحرائق تأكل الحقائق!!

شيئا فشيئا تتراجع أخبار الأزمات والكوارث والصراعات العربية - العربية من الصفحات الأولى لصحفنا إلى الصفحات الداخلية حتى تختفي تماما، لا لأن الصراعات انتهت ولكن لأنها بتكرارها صارت مملة وتدعو للتثاؤب ولا يتابعها أحد.

إن الصحافة العربية تريد دوما جنازات حارة تشبع فيها لطما وعندما تبرد هذه الجنازات والنعوش لا يمشي خلفها أحد، ومن فلسطين إلى سوريا واليمن والجزائر وليبيا والعراق والإرهاب ليس هناك من جديد، وقد فقدت قضية فلسطين زخمها وأهميتها ولم تعد قضية العرب الأولى ولا حتي الأخيرة وذلك لأن عدوان إسرائيل على غزة أو الضفة صار لعب أطفال بالمقارنة مع الفظائع التي يرتكبها العرب ضد العرب في البلد الواحد، وصار العداء بين فتح وحماس أضعاف العداء بينهما وبين إسرائيل، كما أن المظاهرات في العراق والجزائر والصراع في اليمن وسوريا وليبيا لم يعد يلفت الانتباه وكل شيء ينتهي إلى لا شيء.

نحن العرب اعتدنا أن نرث كوارث ومشاكل ولا نرث حلولا، وكل شر في أمتنا له بداية ولكن ليست له نهاية، الخير والإنجاز فقط لهما نهاية، ونهايتهما دائما شر يحصد الأخضر واليابس ويأكل الخير والإنجازات، فقد اتفق العرب منذ الفتنة الكبرى على ألا يتفقوا، وكل الملفات الكارثية العربية ستبقى مفتوحة بأيدينا لا بأيدي الوهم الذي نسميه المؤامرة الكونية علينا، لا أحد يتآمر علينا ولا أحد عدونا، بل نحن أعداء أنفسنا ونقدم للمتآمر الوهمي كل ما يريده مجانا وبغبائنا الذي لا حل له، وفكرة المؤامرة ليست سوى مشجب نعلق عليه الخيبات وهدفها إبراء الذمة والإيحاء بأن المؤامرة قضاء وقدر لا راد لهما.


الملفات العربية مليئة بالآفات وستبقى مفتوحة بالتبريرات والحجج المفضوحة، وكما ورثنا نكبة فلسطين سترث الأجيال القادمة نكبات العراق وسوريا والجزائر ولبنان وليبيا واليمن وما يستجد من نكبات، نحن نصنع مشاكلنا وكوارثنا ونطلب من الأجانب التدخل لحلها والأجانب بكل قواهم مستفيدون من غبائنا وغفلتنا ولا يريدون حلولا، بل يريدون أزماتنا لتبقي، وكل الأزمات الطاحنة في العالم انتهت وأغلقت ملفاتها مثل البوسنة والشيشان وميانمار وكوسوفو، لكن كوارث العرب بلا نهاية وملفات العرب مليئة بالآفات، وسيبقى العرب وقودا لحرائق يشعلونها بأيديهم وستبقى الأمة خالية من الحقائق لأن الحرائق تلتهم وتأكل الحقائق!