الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

شهداء بالبث المباشر

ليس هناك قانون واحد يحكم الثورات في التاريخ، لكل ثورة منطقها وتطورها وتحولها الخاص. ما يجري في العراق منذ شهرين هو ثورة، نسميها تظاهرات وأحياناً احتجاجات ثم بات اسمها ثورة. الشباب أنفسهم يتحدثون عنها بوصفها ثورتهم. منذ شهرين الحياة تتبدل أمامنا بسرعة تتغير الثقافة بشكل مفاجئ. ما كان ممنوعاً قبل شهرين أصبح نموذجاً الآن. كل شيء يتغير ويعبر عن ولادة هوية وطنية جديدة بوعي شاب نادر يحتاج إلى وقت طويل لفهمه. لكننا متورطون بالمتابعة بالرصد بالمراقبة والترقب نحن جزء مما يحدث وليست لدينا رفاهية أن نكون خارج الحدث.

منذ شهرين ونحن نحصي عدد شهدائنا، نودعهم بدموع ساخنة، لقد شاهدنا موتهم بالبث المباشر لأصدقائهم. معظمهم شباب في ربيع أعمارهم يموتون في شتاء الوطن عزلاً إلا من علم بلادهم وهتافات على الأفواه تريد وطناً سيداً حراً مستقلاً. المدن يغطيها الدخان ويعلو فيها صوت الرصاص الحي وصرخات الألم، لكن هتاف الشباب لن ينقطع: نريد وطناً.

يستقيل رئيس الوزراء ويداه ملطختان بالدماء لكنهم لم يتركوا الساحات. فهم لم يواجهوا الموت من أجل أن تتغير الصور وتتبدل الدمى السياسية. يبتهجون قليلاً، انتصرت إرادتهم الفتية وهزت الكرسي الأول في الحكومة لكن دمهم يسيل في هذه الأثناء فأمامهم فصول طويلة من التحدي.


فجأة يتحول الوطن الذي مزقته الحرب الطائفية إلى عائلة واحدة. توقد الشموع من أجل أرواح الشهداء في كل بيت وشارع وساحة من الشمال حتى الجنوب. عزاء كبير بحجم وطن. ومن هذا الألم تنبثق الهوية الوطنية مثلما تنبثق من فوز كروي في بطولة إقليمية، لكنها هذه المرة لا تمنح فرحاً عابراً بل تزودنا بالمعنى الذي يستقر طويلاً في عقولنا وقلوبنا.


لأول مرة نشعر أن لدموعنا قابلية على إنتاج الأمل. دموع غزيرة وحزن هائل لكنه مفتوح على المستقبل. الشهداء هذه المرة قريبون منا نعرفهم ونعيش معهم لحظة الموت. ونقول لهم (شكراً) هي الأخرى حزينة غير أنها ليست يائسة.

أرواحهم غالية وغيابهم مؤلم وعدوهم قاتل ومجرم ولا يفهم معنى: نريد وطناً.لأول مرة نشعر بأن لدموعنا قابلية على إنتاج الأمل