السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

صنع في العراق

في بادرة وطنية من مبادراتهم الرائعة، أطلق شباب ساحة التحرير في بغداد حملة «دعم المنتوجات الوطنية»، قد تبدو هذه الحملة ذات بعد اقتصادي لتشجيع الصناعة الوطنية، التي أهملتها الحكومة تماماً، ما جعل السوق العراقية تغرق بالسلع الرخيصة، التي تنتجها دول الجوار، ولكنها في جوهرها أبعد من ذلك بكثير. فصناعة أي بلد هي جزء من هويته الوطنية، ومنتوجاته هي محرك مهم في الشعور الجمعي بالانتماء. وكان العراق في مقدمة دول المنطقة، التي تبنت مشروعات صناعية حيوية، ولكنها تراجعت في سنوات الحصار في عقد التسعينات من القرن الماضي، حيث معمل أدوية سامراء ومعمل ورق الهارثة ومصنع قصب السكر ومشروع البتروكيماويات وخطوط تجميع للسيارات والسلع الإلكترونية المختلفة. بعد عام 2003 توقفت الحياة في معظم هذه المصانع كما توقفت في مصانع المنتجات الغذائية أو تراجعت عن الواجهة أمام المنافسة مع تلك الواردة من وراء الحدود.
في حملة «دعم المنتوجات العراقية» التي لقيت صدى واسعاً في المجتمع تبادل العراقيون صور المنتجات المحلية بكل اعتزاز، ليس لأنها متقدمة على مثيلاتها الأجنبية فحسب، بل لأنها أيقظت الذاكرة المشتركة لعموم العراقيين. فظهرت صور مشتقات الحليب والمساحيق والسلع الكهربائية، التي يعرفها الجميع، ويشتركون بطرق استخدامها في عادات اجتماعية تميزهم عن سواهم. فالأسماء المحلية لهذه المنتجات تحمل معها نكهة الحياة التقليدية للمجتمع. وبذلك تكون هذه الحملة التي تنجح بشكل ملحوظ، ليس في إطار القيمة الاقتصادية فقط، بل إنها تعمل في مجال ثقافي مهم وعميق. فلكل مادة يجري تداولها هذه الأيام تحمل معها حنينها الخاص إلى ذاكرة جمعية، حاول أعداؤها تشتيتها لصالح هويات ثانوية لأغراض معروفة أسقطها الشباب هذه الأيام في ساحات التحرير.
الثورة تنجح ليس في تغيير رؤساء الوزراء وتبديل القوانين الجائرة وإعادة التفكير بالسيادة الوطنية فقط، الثورة تنجح مع دوران كل عجلة في معمل عراقي، ومع إحياء كل نخلة قتلها اليباس والإهمال. الثورة تنجح عندما تعود قنينة الحليب المحلية إلى المائدة ومسحوق الغسيل المحلي إلى المطبخ. الثورة تنجح عندما تصبح عبارة «صنع في العراق» جزءاً من حياتنا.