الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

بعيداً عن قطر

يجتمع مجلس التعاون الخليجي في الرياض غداً الثلاثاء لمناقشة تحديات المجلس وكذلك تحديات الإقليم، ومن ضمنها أزمة قطر.. فكيف لنا أن نناقش هذه الأزمة بعقل بارد بهدف الوصول إلى حل؟

لكي نتجنب حالة الضباب التي تلف الأزمة نتيجة لقربنا منها، علينا أن نتخيل أن الأزمة تحدث في إقليم آخر، منطقة شرق آسيا مثلاً أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا، تخيل دولة صغيرة مثلاً في وسط أمريكا مثل نيكارجوا تسهم في حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في الإقليم، نتيجة لمعتقدات قادتها، كما أنها كانت ترعي وتدعم مجموعات شيوعية هدفها قلب نظام الحكم في السلفادور والهندوراس، وحتى في دول أكبر مثل المكسيك.

استمرت أزمة نيكاراجوا مع الإقليم منذ عام 1985 وفضيحة إيران كونترا، وتدخلت الولايات المتحدة، ولا يزال نظام نيكاراجوا بعد 30 عاماً كما هو، والتوتر في علاقات نيكاراجوا الإقليمية كما هو، ولم يحدث شيء لا في العالم ولا في أمريكا الوسطى نتيجة لسلوك دولة صغيرة.

قطر لا تختلف كثيراً عن نيكاراجوا باستثناء الصندوق السيادي، فليس من الصعب على الإقليم أن يتعامل مع سلوك قطر لمدة 30 أو 40 عاماً، بالطبع لو حدثت مصالحة فهذا أمر محمود، وإن لم تحدث فهذا أمر طبيعي في العلاقات الدولية، إذ لم تمر على المقاطعة وسحب السفراء 10 سنوات بعد، فالأزمة لا تزال صغيرة في عمر العلاقات بين الدول.

يبدو أننا نحن العرب سريعو الشكوى ونتصور أحياناً أن كوارثنا ليس لها مثيل.. ذات مرة سأل مذيع أمريكي أستاذنا تشارلز عيساوي، والذي كان أستاذاً بجامعة برنستون عن غضب العرب، فأجاب: مقارنة بما حدث للسود والهنود في عهد الاستعمار وما قبل، فحظ العرب كان ممتازاً خلال المائتي عام الماضية، وفي تصوري أنه على حق فلم يجرّنا الاستعمار في أغلال ولا محا لغتنا وثقافتنا.. كذلك الأمر في أزمة قطر، فهي أزمة عادية، وربما أقل من عادية في العلاقات الدولية، ويجب أن نتعامل معها في هذا الإطار.

بالطبع هناك ضرورات قد تفرض التعاون بين الدول والتصالح، ولكنها ضرورات تفرضها العلاقات بين الدول وليس الثقافة والقرابة والدم.

فمثلاً إذا كانت هناك مواجهة حتمية مع إيران، ربما تفرض هذه على كل دول مجلس التعاون التنسيق فيما بينها، لأن التهديد يؤثر على الجميع بدرجات مختلفة، وربما لا يؤثر على دولة مقاطعة مثل مصر بالأهمية ذاتها.

من هنا، يجب النظر إلى الأزمة في إطارها المعقول دونما مبالغة، فإن كانت هناك قطر أو لم تكن لما تأثر أمن الإقليم في شيء، وكنوع من التمرين الذهني أطرح سؤالاً: ماذا كان سيحدث لأمن الإقليم لو لم تكن هناك قطر؟.. هل كان حل القضية الفلسطينية أسرع؟ وهل كان لثورة يناير في مصر أن تفشل؟ وهل كانت ليبيا أكثر استقراراً؟ وهل كان مجلس التعاون بدون مشكلات داخلية؟.. الإجابة بالتأكيد: لا، فمشاكل الإقليم موجودة بقطر أو بدونها، لذلك أيضاً لا يجب أن نبالغ في قدرات قطر على زعزعة الأمن الإقليمي.

سلوك قطر لا يختلف عن سلوك الدول الصغيرة في العالم، فهي دائماً سياسات المواربة، خشية أن يحدث شيء لا تستطيع الدول الصغيرة التعامل معه، ومن هنا يكون الحديث عن تغير سلوك قطر أمر يجب أن يؤخذ بحذر، وضمن كوابح الدول في العلاقات الدولية.

القصة لا تحتاج إلى عالم سياسة أو إلى مُنجِّم كي نقول إن قطر ستخرق الالتزام المقبل كما خرقت من قبل اتفاق الرياض عام 2014، وذلك لطبيعة سلوك الدول الصغيرة وخريطة جيناتها.

لقد ظن العرب والعالم أن تغيير حاكم قطر من حمد بن خليفة إلى ابنه تميم، قد يغير سلوك قطر، ولمَّا لم يتغير سلوك قطر كانت كل تفسيراتنا تصب في أن حمد الأب لا يزال يحكم وأن تميم مجرد واجهة.. في تصوري هذا تبسيط مخل، فالدول ليست أشخاصاً حتى لو كانت دولاً تسلطية، فللدول منطق، وقطر كدولة صغيرة بهواجس محددة ستبقى بالمخاوف ذاتها.

إذا كان الأمر كذلك فكيف لنا التعامل وبالتحديد دول مجلس التعاون الخليجي مع قطر؟ لأن مصر حالة مختلفة ومصالح وأولويات مختلفة.. أعتقد أن الحل الأمثل هو قبول قطر على حالها، مع وضع ضوابط موضوعية تتمثل في سياسات العصا والجزرة، وقطر لا تأكل كثيراً من الجزر، ودول الجوار لا تملك حرية العصا كما تريد، ولكن هناك وسائل عقاب عدة على سلم العقوبات يمكن استخدامها.

كما أنه يجب النظر إلى التجمع الخليجي في إطار القضايا المحددة، ولا يجب أن نتوقع تطابقاً في وجهات النظر حولها.. فمثلاً هناك ملف حركة البشر والطيران وخلافه، وهناك حركة المال، وهناك قضايا الإرهاب وقضايا الأمن الإقليمي، وهناك لجان كثيرة في مجلس التعاون يمكن أن تكون قطر طرفاً فيها، حتى تتأكد دول المجلس أن قطر تأهلت لتكون جزءاً من الاجتماعات الخليجية على مستوى القمة.

قطر جزء مهم من مجلس التعاون، ولكن لا المجلس ولا الإقليم سيتأثر كثيراً إن غابت قطر، وتأثير قطر على مصر لا يتجاوز قضية العمالة المصرية في قطر، وتأثير قطر على سياسات مصر لا يختلف عن تأثير نيكارجوا على المكسيك، أو سنغافورة على الصين.. الأمر أبسط كثيراً من الضجة المصاحبة.