الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

العراق.. الأسلحة وصمت القوانين

لو أتيح للفيلسوف وخطيب روما شيشرون أن يعود إلى الحياة، لما وجد نموذجاً أفضل من العراق يؤكد صدق مقولته: «وسط الأسلحة تصمت القوانين»، فما يحدث في العراق يعبر عن تغول مليشيات وفصائل فرضت إرادتها بقوة السلاح وأنتجت سياسيين وأحزاباً، ليكونوا واجهات تجميلية لتغطية عورتها التي فضحتها ساحات الخلاني والسنك والبارودي وغيرها الكثير من المناطق والساحات العراقية.

أن يدخل مسلحون ساحة الخلاني وسط بغداد بلا وجل، ويطلقون العنان لأسلحتهم تجاه المدنيين العُزل، يقتلون العشرات ويصيبون المئات، وفي الطرف الآخر في كربلاء يلاحقون الناشطين بالاغتيالات في الشوارع دون أن يفكروا بأن هناك دولة وقانوناً، فهذه هي الفوضى بعينها، وشريعة الغاب التي تجاوزتها الأمم والشعوب منذ قرون طويلة.

فوضى السلاح التي يعيشها العراق ليست وليدة اللحظة، وليست حالة عشوائية تسببت فيها الأحداث التي مرت بها البلاد في السنوات الماضية، بل هي نتاج تخطيط ممنهج هدفه إضعاف الدولة وشل قدرتها ومنعها من بسط نفوذها على كامل ترابها الوطني، ليبقى القرار مرتهناً لأجندات وسياسات إيران التي ترى في زعزعة استقرار المنطقة السبيل الوحيد لاستمرار نظامها وديمومته.


تمويل وتسليح إيران لفصائل ومليشيات داخل العراق لنشر الفوضى وبسط النفوذ والتحكم بالطبقة السياسية أمر ترفضه كل الشرائع والقوانين الدولية، إلا أنه لا أحد يتحدث عن هذا صراحة، بل على استحياء، وكأن العراق ليس ركناً أساسياً من أركان استقرار المنطقة، فهل المطلوب أن يبقى الإقليم ملتهباً؟، ولمصلحة مَن يراد ذلك؟.


تسمية الأشياء بأسمائها ضرورة، فإيران لن تسمح بأن تتحول العراق إلى دولة مدنية تحكمها القوانين ويسودها النظام، فهذا السيناريو هو وأد لفكرة تصدير الثورة وقتل لأحلام السيطرة والنفوذ، لأن خسارة بغداد تعني انفراط العقد، وخسارة دمشق وبيروت وصنعاء.

بكل بساطة وبلا مواربة، ما دام العراق يموج في بحر الأسلحة المتناثرة بين الفصائل والمليشيات فلن يستقيم الحال، فعن أي عراق نتحدث وفيها جيوش موازية تصول وتجول دون أي اعتبار لسيادة أو سلطة، وإذا لم تقطع اليد التي تزود هؤلاء بالسلاح والأموال، فسيبقى الوضع على ما هو عليه، وسيظل العراق نازفاً يدفع الثمن من دماء أبنائه وخيراته.