الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

المتوسط.. بحر الصراع والإبداع

سمي بالمتوسط لأنه يتوسط 3 قارات، أوروبا، أفريقيا، وآسيا، ولم يكن هذا اسم البحر طوال الزمن، بل سُمي بأسماء أُخرى.. إنه البحر الأبيض المتوسط كما نعرفه الآن، وهو ليس مجرد مياه تجري أو تتلاطم، وليس مدّاً وجزراً ورياحاً وتيارات وظواهر مناخية، ولكنه تاريخ واقتصاد وثقافة وتجارة وتحالفات وعداوات وحركات دينية وحضارات، منذ الحضارة الفينيقية التي عاشت وازدهرت على شاطئه الشرقي وحتى الأمم المتوسطية الراهنة.

لقد كان حوض البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارة العالمية منذ المستوطنات الأولى التي أقيمت منذ 9 آلاف سنة قبل الميلاد في أريحا، وظل تاريخه في أغلب الأوقات تاريخ صراعات مستمرة، وقد كانت صراعات من أجل بسط النفوذ خاصة على بعض الجزر والمفاصل مثل: صقلية ومالطة وكريت وقبرص، ويبدو أنه سيظل كذلك دائماً.

أدى البحر المتوسط دوراً رئيساً في الاتصال بين الشعوب حوله، وحال دون وقوع اشتباكات بين الشعوب ذات المصالح المختلفة فيه، وهو يبدو على الخريطة بحراً مغلقاً، ولكنه يوفر طرق النقل الرئيسة بين الشرق والغرب، وهو مصدر خير ورزق لكل المطلين عليه، بسببه أصبحت الملاحة البحرية طويلة المدى ممكنة، وبسببه تطورت طرق التجارة الجديدة.


هو كذلك رمز للإبداع، وللبحث عن معاني الحياة والحكمة، ولمحبة الناس والطبيعة، هو أيضاً بيئة أفرزت حضارات مميزة، سواء كانت فينيقية أو هيلينية أو رومية أو فرعونية، وهي حضارات كلها قدمت إسهامات ملحوظة في تطور التاريخ.


ومثلما كان حوض البحر المتوسط منارة حضارية، كان أيضاً مسار اهتمام القوى الاستعمارية، وحدثت في مياهه العديد من المعارك البحرية، ويذكر التاريخ لهذا الحوض معارك كبرى، منها مثلاً: معركة أبوقير التي تواجه فيها الفرنسيون بقيادة نابليون مع الإنجليز بقيادة الأميرال نلسون، ويذكر أيضاً معركة النيل، التي دمر فيها الأسطول الفرنسي بشكل شبه كامل، ومعركة ليبانتو التي تواجه خلالها العثمانيون والرومان في عام 1571م.

ربما سيشهد حوض البحر الأبيض معارك أخرى، تجرنا إليها سفن تبحر بغير هدى قادمة من أرض العثمانيين الجدد، لتكتب تاريخاً جديداً من أحلام وأطماع خلافة واهية، بدلاً من كتابة المزيد من حضارة شاهدة على المكان.

أكتب هذا عن البحر المرشح لتوتر وصراعات جديدة مقبلة تقودها الأطماع، وكأن شواطئه لا تكفي لإرضاء المطلين عليه.