الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الجزائر.. جدل الدولة والحراك

جرت الانتخابات الرئاسية الجزائرية الخميس الماضي، وأسفرت عن فوز المرشح الحر عبدالمجيد تبون، في الدور الأول، وميزة هذا المفصل الانتخابي لا تقتصر على البعد النتائجي المباشر، بل تطال أيضاً المناخ السياسي الذي جرت فيه الانتخابات.

انتظمت الانتخابات في جو سياسي مشحون، مشوب بالتجاذب بين إرادتين تتوافر كل منهما على وجاهتها الخاصة.. إرادة حراك يرنو إلى التغيير والقطع مع ما شاب فترة عبد العزيز بوتفليقة وما سبقها، وإرادة رسمية يحكمها عقل سياسي قرأ جيداً التجارب السياسية المقارنة، واستخلص ضرورة المحافظة على الدولة ومؤسساتها، وكان مؤمناً بأن الحكومات لا تتشكل في الشوارع وإن تأثرت بشرعية مطالبها.

المسافة الفاصلة بين الإرادتين هي التي أنتجت نسبة المشاركة الضعيفة، لكنها لم تحلْ دون إجراء الانتخابات، إلا أن ما اعتبره البعض تجاذباً بين الإرادة الرسمية والإرادة الشعبية، يمكن أيضاً اعتباره علامة صحية وضرورية في بلد كبير مثل الجزائر، كان ضرورياً أن يصرّ الحراك على مطالبه، وإن علا سقفها، وكان لازماً أن تتمسك السلطة الانتقالية، والمؤسسة العسكرية، بمبدأ أن الانتخابات الحرة، هي الوسيلة الوحيدة للممارسة السياسية الديمقراطية.


وعلى الرغم من ضعف نسبة المشاركة مقارنة بالانتخابات الماضية، إلا أنها كانت نسبة كافية لتأكيد شرعية الانتخابات، ولإضفاء المزيد من الوجاهة على الدعوة لإجراء الانتخابات.


الملمح الآخر الذي طبع هذا المفصل الانتخابي هو أن المرشحين الخمسة ينتمون إلى منظومة جبهة التحرير الوطني، وهو ما يعني أن الدولة لا تزال قادرة على إنتاج القيادات السياسية لتدبير المرحلة الجديدة، على الرغم من كل الاعتراضات.

في موازاة الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات تواصلت احتجاجات الجمعة، وهو ما يعني أن المسارين وإن اختلفا فإنهما لا يتناقضان، بل يعاضد كل منهما الآخر في نحت المسيرة السياسية الجديدة للجزائر.

يوفر الحراك الشعبي المتواصل يقظة الرقابة الشعبية على الممارسة السياسية، وتضمن السلطة الانتقالية عقلية المحافظة على الدولة ومؤسساتها، والحيلولة دون الدخول في عتمة المجهول الذي يفضي إلى فوضى لا تبقي ولا تذر.

للشارع الجزائري مشروعيته النابعة من قراءته الخاصة لاستتباعات العملية السياسية، وللمسار الدستوري أهميته النابعة من كونه ضرورة لا بد منها لكتابة صفحة جديدة لمستقبل البلاد.

بهذا المعنى يكون الحراك الشعبي السلمي مهمّاً حتى لدى الفاعلين الرسميين، لأن الحراك تحول بعد أشهر من اندلاعه إلى مصدّ قويّ يحول دون عودة سلطة الحزب الواحد، وما تفرع عنها من فساد وهدر وتفويت فرص اقتصادية واستثمارية على بلد كبير بموارده وشعبه وتاريخه.