الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رموز عنصرية أم طفولة مبهجة؟

في بلجيكا، حيث أقيم، ضمن جغرافيا الأراضي المنخفضة، هناك رمز موسمي سنوي يظهر في موسم أعياد الميلاد، وأواجهه مباشرة كل موسم ميلاد، بحكم أني أب لطفلة تعيش هذه الأجواء الجميلة والمبهجة، تتمثل في العجوز اللطيف سنتر كلاس، وهو الجذر التاريخي لبابا نويل، ومساعديه ذوي البشرة السوداء والذين يحملون اسم «بيت الأَسْوَد».

وأمام طفلتي أجد نفسي متورطا بضرورة الإجابة عن أسئلتها الكثيرة حول السيد بيت الأَسْود، الذي تحبه كثيرا أسوة بباقي الأطفال هنا، وطبعا أول سؤال هو عن سبب سواد بشرة السيد بيت، والذي يؤدي دوره عادة «سيد أبيض» من بلجيكا، وقد أغرق بشرته بصبغ شديد السواد، ليصبح بحركاته البهلوانية الطريفة مرافقا ومعاونا للسنتر كلاس.

لم يأخذ مني البحث عن الأصول التاريخية للسيد بيت وقتا كثيرا، لكن ما استهلك وقتي أكثر تلك القراءات التي غرقت فيها حول مشروعية استمرار تلك الشخصية، والتي انقسم حولها الناس هنا بين معارض على أساس أن الشخصية فيها طرح عنصري، وبين موافق على تلك الشخصية لأنها طريفة ولا عنصرية فيها، خصوصا أنها شخصية ذكية تعاون سنتر كلاس العجوز الخرف والطيب حد السذاجة حسب ما يظهر.


حسب الموثق تاريخيا فإن السيد بيت الأسود، ظهر أول مرة في كتاب أطفال ألفه مدرس هولندي من أمستردام اسمه «يان شينكمان» عن شخصية طريفة وذكية سوداء البشرة من أصول موريسكية، والموريسكيون هم تلك الفئة السكانية التي استوطنت شمال أفريقيا بعد أن نزحت من أماكن سكناها بعد سقوط الحضارة العربية ـ الإسلامية في الأندلس.


إذن نحن أمام خادم يوحي لون بشرته بالخدمة، لكنه ذكي يحب الأطفال، ويساعد سنتر كلاس العجوز والساذج في توزيع الهدايا والبهجة على الأطفال.

هنالك الكثير من الرمزية المبطنة في تلك الشخصية، تكثيف تاريخي لصراع ديني تاريخي على قطعة من أوروبا، انتهى بقصة أطفال وتوزيع هدايا.

لا يمكن أن أحدد إلى أي صف من الطرفين أقف أنا، وأنا اشرح لابنتي في مراحل قادمة من حياتها عن أصول السيد بيت، لكن بلا شك، فأنا أتفق أن دفن مآسي التاريخ في قصص الأطفال هو علاج جيد لدمامل التطرف، التي قد تظهر بين حين وآخر، ولتعليم الأجيال من الأطفال أسرار المحبة والإنسانية من خلال طرح مواضيع العنصرية عبر أسئلة تتولد لديهم من واقعهم، ليصبح كل هذا التاريخ المأساوي تاريخا يتحول إلى طرفة طفولية لا أكثر.