الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

المؤامرة على بريطانيا

اعتادتْ الأدبيّات السياسية أن تتحدّث عن «المؤامرات البريطانية على العالم»، لكن السنوات الأخيرة شهدت موجة تحليل مضادة تقوم على فرضيّة تقع على النقيض هى: المؤامرة على بريطانيا.

لاشك أن المملكة المتحدة تواجه أوضاعًا صعبة، والإمبراطورية التي كانت تحكم ربع العالم قبل مائة عام تقريبًا لم تعد كما كانت، والمساحة التي اقتربت ذات يوم من (14) مليون ميل مربع حتى أنها كانت لا تغيب عنها الشمس، هي الآن تواجه احتمالات استقلال اسكتلندا، وربما أيرلندا الشمالية، وربما ويلز أيضًا. فبينما كان يعاني القادة الإنجليز من انكماش الإمبراطورية قبل عقود، يعاني أحفادهم اليوم من احتمالات انكماش الدولة.

يفسر البعض التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016 بأنه مؤامرة خارجية، ويفسر البعض الفوز الكبير لحزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون عام 2019 بأنه استمرار للمؤامرة ذاتها، والمؤامرة هي خروج بريطانيا من أوروبا لتصبح وحيدة في التفاوض مع الولايات المتحدة، وفوق الخسائر الاقتصادية، تتأتّى الخسائر السياسية من المشكلات الحدودية التي ربما تفجّر أوضاعًا خامدة على المحور الأيرلندي، كما أنها تفتح الباب لاستقلال اسكتلندا التي لا تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي.


تذهب نظرية المؤامرة هنا إلى عدة افتراضات: الافتراض الأول هو مزاعم الدعم الروسي لحزب المحافظين عبْر تبرعات مالية لحملاته الانتخابية، والافتراض الثاني هو قيام روسيا بالتدخل في توجيه الرأى العام البريطاني ليأتي التصويت بنعم للخروج من الاتحاد الأوروبي، والثالث هو أن روسيا تريد تفكيك الوحدة الأوروبية حسبما صرح ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، والافتراض الرابع هو أن وكالات الاستخبارات البريطانية كانت قد أعدّت تقريرًا بشأن التدخل الروسي في عملية البريكست، وتم حجب هذا التقرير، وذلك بإيعاز من حكومة المحافظين حتى لا تعطل مسار الخروج، وقد أخذ هذا الافتراض أهمية كبيرة بسبب انتقاد السيدة هيلاري كلينتون: «من المخجل عدم نشر التقرير الخاص بالتدخل الروسي في الحياة السياسية البريطانية».


ونفت موسكو التقارير البريطانية بهذا الصدد، وقال السفير الروسي في لندن: «نحن محايدون، لأن القرار مسألة بريطانية داخلية»، ثم قال الرئيس فلاديمير بوتين: «لا أساس للمزاعم حول مصلحة روسيا في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نحن نحترم سيادة الدول».

كما نفت شركة «فيسبوك» التدخل الروسي في الانتخابات البريطانية، لكن منصة «ريديت» قامت بحذف حسابات على مواقع التواصل لاتهامها بالتلاعب في الأصوات.

ولقد قاد الحديث بشأن الإعلانات المضللة على فيسبوك لاستهداف الناخبين، وتغيير قناعات الرأى العام إلى تشكيك بعض المراقبين في مستقبل الديمقراطية، وجرى التساؤل: هل الانتخابات الحرّة أصبحت شيئًا من الماضي؟، ووصفت صحيفة غربية أشباح التدخل في توجيه الرأى العام بأنها «آلهة وادي السيليكون» الغامضة.

وقبل سنوات لم يتخيل كثيرون أن يكون مجرّد الحديث بشأن المؤامرة على بريطانيا.. أمراً وارد، لكنّه عالم اليوم الذي بات يختلف كثيرًا عن القرن العشرين.