الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

المستقل والمستقيل في أزمة العراق

حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية في العراق في الأول من أكتوبر الماضي، لم تلتقط الطبقة السياسية الحاكمة من شعاراتها ومفرداتها، سوى الدعوة إلى المرشح المستقل الذي طالب العراقيون المنتفضون بتسلمه منصب رئاسة الحكومة على نحو خاص كونه المنصب التنفيذي الأهم حسب الدستور.

وابتدأت تلك الطبقة السياسية العمل على هذا المصطلح، وتعاطت معه عملياً، وكأنّه جديد في عالم السياسة ولم يسمع به أحد في العراق، بعد سنوات طويلة من طغيان غابة من الأحزاب السياسية التي حكمت سدة السلطة.

وفسّرت الأحزاب معنى «المستقل» على أنّه الشخص غير المرتبط اليوم بحزب سياسي، فسارعت إلى دفع مرشحيها المحتملين إلى الواجهة، بعد أن أعلنوا «استقالاتهم» عن تلك الأحزاب التي نشأوا فيها أو الكتل البرلمانية والسياسية التي حكموا من خلالها في السنوات الـ 16 الأخيرة، وكانت بعض الاستقالات عبر تغريدات على موقع تويتر.


وحين بدأت تسريبات أسماء المرشحين الساعين إلى المنصب، جاء الرد سريعاً بالرفض من ساحة التحرير في بغداد، وظهرت صور أولئك «المستقيلين» عن أحزابهم وقد شطبت باللون الأحمر.


إنّ الأحزاب العراقية التي تسلمت الحكم بعد عام 2003 لم تستطع أن تقرأ خارطة الوعي الجديدة لدى جيل يبحث عن بلده الذي يضيع منه أمام عينيه كل يوم، جيل لم يتم تدجينه على المقولات والمواضعات الطائفية برغم الترويج الهائل لها سنوات.

إن مفهوم المستقل الذي نشده العراقيون في ساحات التظاهر ودفعوا في سبيله مئات القتلى وآلاف الجرحى، هو شيء مختلف وعنصر وطني أصيل وليس مصطنعاً، فالمستقل المقصود هو ذلك العراقي الذي لم يتلوث طوال حياته بقتل أو فساد أو تبعية سياسية أو استخبارية لإيران بالدرجة الأولى، والخارج على نحو عام، وهو العراقي الذي يستطيع أن يزيح أسوأ مرحلة في تاريخ العراق الحديث، ليعيد للبلد هويته وإنتاجيته وليأمن الجيل على مستقبل الثروات التي لم يرَ من خيراتها سوى العوز والديون والنزول التدريجي تحت خط الفقر والبطالة، والمستقل المنشود هنا ليس شخصاً فرداً، وإنّما منظومة الحياة الطبيعية، من سائر الناس لا سيما النخب والكفاءات والعلامات المضيئة في النسيج الشعبي والعشائري، بعيداً عن الحالات الشاذة التي صعدت في غفلة من ضياع البلد تحت وقع الحروب، وأشاعت مفاهيم تفكيك النسيج الاجتماعي وهدّدت الوحدة والسيادة.