الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

اللغز المعقد للاحتجاجات العربية

هناك سؤالان مختلفان ولكنهما متقاطعان يطرحان نفسيهما بإلحاح، لماذا تثور الشعوب العربية في أكثر من دولة؟، ولماذا حدثت هذه الثورات متزامنة ومتناغمة؟

للإجابة، لا بد من استلهام النموذج النظري الذي يعالج مثل هذه القضايا المعقّدة، باعتماد مفهومين للتفسير، الأول هو الوجود القبْلي للرغبة في خلق أسباب التغيير، والمفهوم الثاني يتعلق بنضج الأحداث في مختلف البلاد العربية بدون أن يكون بينها أي تنسيق أو تعاون، ولكن لها تأثيرات متبادلة، أمّا الدروس التي يمكن استنتاجها من الثورات، فالوجود القبْلي للرغبة في التغيير قد أنتج من خلال دينامية مستمرة نخبة اجتماعية تُعنى بالتعبئة المباشرة والفعل عبر وسائط التواصل الاجتماعي واستثمارهما لواقع الأحداث التي كانت تقض مضجع أفراد المجتمع.

بعودتنا إلى السؤال الأول.. لما تثور الشعوب العربية؟، يفيدنا «فان إنويكن» بأن هناك فرقاً ما بين المقاربات النفسية والمقاربات العقلية في تفسير أسباب الثورات، وهذا ما حذا بعالم النفس «تيد كور» إلى التأكيد إلى أن نشوء الطموحات الجمعية في المجتمعات التي يعيش أفرادها حرماناً عميقاً، قد تتحوّل بسرعة إلى تمرّد مباشر وحاد ضد الدولة.


أما من وجهة نظر المقاربة العقلية، فهي ترى أن نجاح المجتمع في إفراز نخبة لها القدرة على التعبئة الشاملة والتأثير، ثم انتقالها إلى الممارسة الفعلية للتغيير بالرغم من وجود مخاطرة في مباشرة الفعل، رهين بإحداث الثورة.


يرى«شارل تيلّي» وهو يحلّل الاحتجاجات التي أدّت إلى انهيار جدار برلين، أن هناك تراكماً تاريخياً غير مباشر لأشكال الاحتجاجات، يتقاطع مع تحولات البراديمات أو الطرق السياسية والاجتماعية، وهذا يعني وجود امتداد متزامن لمسارات الاحتجاجات التي تنتهي بثورة ناجحة.

قد يحدث ألا يحقّق هذا الامتداد هدفه، ولكن استمراره بفضل إفراز نخب حاملة لمشروع التغيير ومتجاوبة مع مجتمعها، فضلاً عن وعيها السياسي بنجاح هذه المحاولات، يجعل من الثورة واقعاً حتمياً ومتحقّقاً لا مناص منه، غير أن استحالة بروز هذه النخبة يعني تعذّر وجود طليعة لتحقيق الثورة وحمايتها، ومن ثمة فشلها.

قياساً على ذلك، ما تشهده الثورات في البلاد العربية لا يخرج عن هذه المقاربة المزدوجة التي يتداخل فيها «النفسي - الاجتماعي» و«السياسي - الاقتصادي» في سياق كانت تغيب فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أن الشكل الذي تحققت به الاحتجاجات في البلاد العربية وبالرغم من توافر هذين المبدأين اللذين يمهدان للثورة، لم تتحقق هذه الأخيرة، بل حدثت بشكل مشوّه مهّد لفوضى مقيتة كما وقع في سوريا وليبيا والعراق.

هذا يعني أن التفسير الحقيقي للاحتجاجات العربية يحتاج لمبدأ ثالث أو أكثر للإلمام بأسبابها العميقة، خاصة أنها عاودت الكرّة في نسخة ثانية، بعد ما أطلق عليها اسم الربيع العربي، فكانت احتفالية في لبنان ودموية في العراق واستعراضية في الجزائر.