الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

بين الديمقراطية والشكلية البروتوكولية

بين إدراك الذات ونقد الواقع في المشهد السياسي السوداني لا يمكن الحديث عن المرحلة بين الإعلان الدستوري والدستور المقبل، دون المرور بالمحددات الأساسية لأطروحات بناء الدولة السودانية الجديدة، التي أصبحت محكومة بالأطر القانونية وارتباطها الوثيق بواقع مطالب الشعب السوداني للحرية والتغيير والانفتاح على العالم، ما يجعل من إشكالية صياغة مفاتيح العلاقات الداخلية وملفات السلام، تجنح نحو عملية تتداخل فيها الفواعل الخارجية من جهة، والتحولات الطارئة على بنية الدولة السودانية سياسياً ومجتمعياً من جهة أخرى.

إن إعادة هيكلة السلطة السودانية وتراتبها ستُتبع بتحولات جذرية في مؤسساتها، حتى يتسنى لهذه الأخيرة أداء الوظيفة الأمنية والسياسية والاجتماعية التي تستند إلى الشرعية والرضا المجتمعي.

يشكل اختيار النظام السياسي الجديد منعكساً لجملة التجاذبات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد خلال مرحلة النظام السابق، ومن ثَم فإن عدم تحديد الشكل الأنسب للنظام السياسي، رئاسياً كان أم برلمانياً، قد يؤدي إلى أزمات تعصف من جديد بالسلم الاجتماعي، وعليه ينبغي على الحكومة الانتقالية من مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمحكمة الدستورية العمل على تمليك الجمهور ما يدور حول هذه الأمور المفصلية راهناً، ومع استصحاب كل التفاصيل الثقافية والعملية والعلمية، ويجب أن يكون النظام السياسي الجديد منتجاً لمجموع الثقافات والفلسفات التي تعكس واقع البنى الاجتماعية والسياسية، إلا أنّ تحديد شكل النظام السياسي يبدأ فوراً بعد أولى حالات التغيير، ويظل منعكساً على مجموع البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة في مجتمع معين مدة زمنية معينة.


وبناء عليه، يصبح شكل النظام السياسي للسودان الجديد بعد الأزمات التي ألمت بالبلاد وظلت ثقلاً على الحكومة الانتقالية، محكوماً بالضرورات التي تحتمها واقعية الاستقطابات السياسية فيما يتعلق بملفات السلام والتنمية والاستقرار والثقافة المجتمعية، خصوصاً عندما تقف جميع القوى على مسافة واحدة من الحكم والمسألة الديمقراطية المرتقبة.


فديمقراطية انتخاب الجمعية التأسيسية من الناحية الشكلية كما كانت سابقاً، تحتاج إلى ثقافة مجتمعية، لا يمكن معها القياس على الحالتين الأمريكية والفرنسية، وبهذا تصبح استراتيجيات العمل على بناء الدولة الجديدة، مرهونة بتأمين السلام، وتحتاج إلى الحد الأدنى من السلم الذي يستلزم توافقاً ليقيم الدولة الجديدة بمتانة، يقوم على ثنائية الجهاز التنفيذي (رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة)، ويقوم على الفصل المرن بين السلطات.