الاثنين - 14 أكتوبر 2024
الاثنين - 14 أكتوبر 2024

مقديشو ـ إدلب.. الأحزان تتوالى

أثار انفجار نقطة التفتيش في العاصمة الصومالية مقديشو السبت الماضي 28 ديسمبر، ردود أفعال غاضبة في وسائل الإعلام الفرنسية وربما الغربية أيضاً، ولقد سألني كثيرون عن تفسيري لهذه المأساة، وعن العدد المرتفع من ضحاياها، والظروف التي تم فيها هذا الهجوم المثير للمشاعر والذي أسفر عن مصرع 76 قتيلاً، وعدداً كبيراً من الجرحى.

إن الشيء الذي صدمني بالفعل هو أنه ما من أحد بدا منزعجاً أو مهتماً على النحو الكافي بأخبار هذا الهجوم وأهدافه بالرغم من فظاعته.

وأشارت أصابع الاتهام إلى أنه لا بد أن يكون أحد الأفعال الإرهابية لما يسمى «حركة الشباب الصومالي» أو تنظيم القاعدة، وربما كان هذا الاتهام صحيحاً، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فأين الجُناة أو أولئك الذين يدعمونهم ويدفعونهم لتنفيذ مثل هذه الجرائم؟ وما الهدف الذي كانوا يبتغونه؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا استهدف الهجوم الأبرياء العُزّل؟


لا يبدو أن أحداً يهتم بالوضع السياسي القائم في الصومال ولا في بقية أقاليم وبلدان القرن الأفريقي، ولا حتى في المنطقة الأوسع التي تمتد من الخليج حتى البحيرات العظمى في شرق أفريقيا.


تطورت فظاعة صورة حركة الشباب الصومالي وتنظيم القاعدة حتى باتت تعكس صورة الشيطان، وطالما أن هذه الأحداث المأساوية ما زالت تجري في المناطق البعيدة من المشرق، فهذا يعني أنها لا تواجه العقاب الذي تستحق.

في أحد مقالاتي التحليلية الأخيرة، عبّرت عن دهشتي البالغة من الاهتمام الذي حظي به حادث تحطم طائرة هيليكوبتر عسكرية في مالي وموت طاقمها الذي نال التكريم الوطني، وتذكرت كيف كان ألوف المجندين الفرنسيين والألمان والبريطانيين والأمريكيين والأفارقة والعرب والآسيويين يساقون يومياً خلال الحرب العالمية الأولى ليلاقوا حتفهم في معارك لا نتيجة تُرتجى من ورائها، وتواصل هذا المشهد لمدة 4 سنوات كاملة من دون أن ترفع أية جهة أو مؤسسة صوتها للتساؤل عن مغزى حمامات الدم التي لا تنتهي بين الأطراف المتقاتلة.

وبطريقة مشابهة، فإننا نرى كيف أن الحديث المتكرر عن هجوم مقديشو الأخير يتناقض مع الصمت النسبي، حول المصير المؤلم الذي يواجهه السكان المدنيون الأبرياء في منطقة إدلب شمال غرب سوريا، والذين يفرون بمئات الألوف من بيوتهم من أجل اللجوء إلى مكان آمن.

ويمكن اعتبار هؤلاء الأبرياء ضحايا لاستراتيجيات جيوسياسية سخيفة، وعقيمة تتخللها حوادث التدمير التي لن تنمحي آثارها من بلاد الشام خلال عقود مقبلة، لذا يجدر بنا أن نتذكر الآن أن بلاد الشام كانت على مرّ العصور والأزمان مهد الحضارة.

وقد لا يبدو أن هناك جديداً في هذه المقاربة المؤلمة، ولكن وبالرغم من أننا نعيش في عصر تدفق المعلومات الفورية في أطراف القرية العالمية التي أصبحنا جزءاً منها، فإن الجهل وانعدام التفكير ما زالا ينتشران بكثرة ويعوقان التقدم نحو تحقيق المزيد من الحكمة والإنسانية.