الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

صديقتي آن فرانك

لم أكن أعرف قبل أن أقرأ مذكرات الهولندية آن فرانك، أن الصداقة هي حاجة إنسانية تتشارك البشرية في النزوع نحو امتلاكها، كانت بدايتي مع آن فرانك تتمثل في مشروع قراءة جديد، أحرص على جدولته في ما يخص أدب الهولوكوست، ثم وجدت نفسي أذهب معها نحو قضايا أشد اتساعاً في الوجود الإنساني، تبدأ آن الفتاة اليهودية التي عانت من قسوة الحرب العالمية الثانية تحت قبو أو «منيزل» في الفترة من الـ12 من يونيو (حزيران) 1942 حتى الأول من أغسطس (آب) 1944، دونت مذكراتها مبكراً، في عمر 13 عاماً، وجهت الحديث إلى «كيتي» الصديقة المُتخيلة لما تكتب، في السطور الأولى تتحدث آن عن معاناتها في صعوبة العثور على صديقة تفهمها، تصنع معها ذكريات تخلصها من الشعور بالوحشة، هكذا تبدأ آن في كتابة يومياتها التي تتحول في ما بعد إلى رعب مترقب، يوميات رتيبة عذبة داخل منزل محصن ضد الهجوم النازي على العائلات اليهودية، وتطوير عادة التخفي بداية من المؤونة حتى التكيف مع عادة كتم الأنفاس وإطفاء الأنوار، في العودة إلى حاجة آن إلى الصداقة، قرأت مراجعات قراء من كل العالم يشيرون إلى درجة التشابه مع آن في بحثها الأسطوري عن صديق حقيقي، كتب الكثير منهم مقولات خاصة، وجهت إلى آن فرانك التي ماتت صغيرة في سجون النازية بالتوقيت نفسه الذي توقفت فيه عن مواصلة الكتابة، «آن أنتِ صديقتي»، هذه العبارة ترددت على ألسنة القراء، وكنت في داخلي أجد الشعور نفسه والحاجة ذاتها للكتابة، هناك معاناة بشرية حقيقية عبر العصور تبحث عن هذا الخيار البشري الذي يجد الإنسان فيه غاية ضرورية وملحة من غاياته، في ملحمة كلكامش كان الملك والإله نصف البشري كلكامش رغم جبروته يصبو إلى الكمال الذي وصل إليه مع صديقه أنكيدو، مات أنكيدو، وانهار كلكامش في مشاهد مؤلمة، آن فرانك طفلة، ضعيفة وبريئة واجهت وحشية لا تصدق، ظلت تحتاج إلى صديق مثل أنكيدو، مثلما كلكامش الذي ظل يحتاج رغم نفوذه إلى «كيتي»، في مقاربة غريبة وسردية لا تموت من صفحات التاريخ البشري، في الفصول الأولى من اليوميات كتبت آن فرانك في مذكراتها أنها بدأت بالكتابة لحاجتها إلى صديقة حقيقية، وأنها كانت تريد أن تكتب مرة واحدة وإلى الأبد، هذا ما حدث فعلاً فقد وجدت آن بعد رحيلها أصدقاء من كل أنحاء العالم، بلغات لا تعرفها يقرؤون كتابها الوحيد وإلى الأبد أيضاً.