الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

خلفيات وأبعاد مقتل سليماني

يعتبر مقتل أبومهدي المهندس وقاسم سليماني لحظة سياسية شديدة الحساسية، تدشن لانعطاف سياسي فارق في منطقة الشرق الأوسط يجتمع فيه البعد الأمني والجيو- استراتيجي والعسكري.

وهذا يعني أن هذا الحدث الذي تجاوز التوقعات الاستخباراتية الإيرانية سيجر المنطقة إلى مرحلة حرجة، إذ قد يتسبّب في حرب موسّعة، نظراً لكون هذا الحدث ـ تجاوزاً ـ غير مقبول للتحالفات السياسية بين القوى العظمى، ولتوافقاتها التي انتهت عقب الحرب في سوريا بالانسحاب التدريجي لأمريكا من المنطقة.

ويعني هذا أن عقارب الساعة السياسية ستعود إلى الوراء، وسيُعاد تشكّل التموقعات بنفس مصلحي يختلف عن سابقه ما بين أمريكا وروسيا، خاصة أن هذه الأخيرة ستظل متمسكة بمكتسباتها بالمنطقة، وهي غير راضية عن خرق توافقاتها من طرف أمريكا، التي خلقت وضعية جديدة من التوتّرات والانقسامات في الشرق الأوسط.


وإذا علمنا أنّ قاسم سليماني الذي وثّق وشائج إيران مع حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق، كان صديقاً استراتيجياً لروسيا وأداتها القويّة في دعم النظام السوري وردع المعارضة الأهلية في سوريا، سندرك حجم الغضب والانزعاج الذي تكون عليه روسيا التي ندّدت من خلال الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بما أقدمت عليه أمريكا بقولها: «إن الهدف من هذه العملية هو تغيير توازن القوى في المنطقة وفتحها على كل الاحتمالات السيئة».. ويأتي هذا القول متقاطعاً مع تأكيد ليونيد سلوتسكي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي بقوله: «إن أمريكا قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء ممّا قد يؤشّر إلى حرب واسعة ممكنة».


إن الأخطر في الأمر أن هذه العملية لم تكن صادرة عن قرار مؤسّسي أمريكي، وإنّما كانت ناتجة عن قرار فردي من طرف الرئيس دونالد ترامب، وهذا يعني أن هامش المغامرة من طرف الرئيس، الذي له عداء مبطّن للمنطقة وللعرب، سيتّسع أكثر، خاصة أنه يتحرك وفق أجندة إسرائيلية دقيقة، تضع نصب عينيها خلط الأوراق في المنطقة باستدراجها إيران إلى الوقوع في حرب مع أمريكا في الشرق الأوسط.

ولم تخف المؤسّسات الرسمية الأمريكية انزعاجها من السلوك الفردي لترامب، كتأكيد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي على خطورة ما وقع، إذ إن القرار قد تمّ بدون استشارة الكونغرس، وهي سابقة في تاريخ القرارات العسكرية الأمريكية، والتي ستثير إشكالات قانونية كبرى تمسّ بصلاحيات الكونغرس.

من جهة أخرى، يعتبر تصريح حسن نصرالله، إثر مقتل سليماني بأن هناك قصاصاً ستتولاّه المقاومة قريباً، بداية للوقوع في فخ استفزازات ترامب الذي يصنع وفق تصور إسرائيلي خريطة جديدة لإشعال حرب مختلفة وحاسمة بالمنطقة، لها هدفان: هدف سياسي أمني يقوم على ردع الأخطبوط الإيراني في المنطقة، وهدف استراتيجي يطمح إلى استنزاف شامل ونهائي للوجود العربي فيها.