الأربعاء - 16 أكتوبر 2024
الأربعاء - 16 أكتوبر 2024

المطالب المستحيلة في البيانات الهزيلة

يبدو أن العالم اعتاد البيانات المُعدة سلفاً عند وقوع حدث ما، حيث توضع صيغة البيان في الأدراج وتترك مساحة بيضاء لاسم الحدث، ثم يتلى البيان وكأنه أُعد تواً للحدث نفسه، فنحن نسمع ونقرأ البيانات نفسها مع اختلاف الأحداث والجرائم، وتشبه هذه البيانات بطاقات الدعوة التي تتم صياغتها مع ترك مساحة بيضاء على كل بطاقة لاسم المدعو، إنها بيانات للتوقيع بالحضور فقط، وكثيراً ما يصدرها مرتكب الجريمة نفسه على طريقة المثل العامي المصري الشهير: «يقتل القتيل ويمشي في جنازته».

وهناك صيغة مملة في كل بيان يعقب جريمة قتل المدنيين في المظاهرات، أو استهداف الصحافيين الذين يغطون الأحداث كما حدث في العراق قبل أيام، وتقول هذه الصيغة التي تتكرر في بيانات كل الدول: «ندين جريمة قتل الصحافيين أو المدنيين ونطالب بتحقيق شفاف وملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة»، وأظن أن هذه الصيغة تكررت آلاف المرات ومنذ سنوات طويلة ولم يحدث مرة واحدة ما طولب به، لأنها مطالب مستحيلة التحقق، فلا تحقيق شفافاً، ولا ملاحقة للجناة، ولا تقديم لهؤلاء الجناة للعدالة، ولا عدالة أساساً.

حتى إذا عرفنا الجناة أو اعترفوا كما فعلت إيران واعتذرت عن إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية، فإنه لن يكون هناك تحقيق شفاف لأن الجاني سيُحقق مع نفسه، فهو الجاني وهو المُحقق، وهو القاضي، وبالتالي فإن حكم براءته معروف سلفاً، وقد اكتفت إيران بالاعتذار والتبرير الساذج، حين قالت إن البقر تشابه على الحرس الثوري، وظن أن الطائرة المدنية الأوكرانية صواريخ كروز أمريكية، بل إنه أضاف أن: الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية إسقاط الطائرة الأوكرانية، لأن تصرفاتها العدوانية هي سبب التصعيد والتوتر.


وعندما تعترف دولة ما رسمياً بإسقاط طائرة مدنية فإن الاعتراف والاعتذار لا يكفيان، لكن إيران اكتفت بذلك، وبالوعد المكذوب بالتحقيق وتقديم الجناة للعدالة، وكان المفترض في حالة كهذه أن تبدي إيران استعدادها ولو كذباً مثل كل الكذب لدفع تعويضات لأسر ضحايا الطائرة المنكوبة.


لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ويبدو أن الطائرات الأوكرانية المدنية صارت منذ زمن هدفاً عسكرياً، وأن رد الفعل الأوكراني يبدو هادئاً، ما يعني أن الأمر سيمر مرور الكرام، لتبقى المطالب المستحيلة حاضرة في البيانات الهزيلة دوماً.