السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ماكرون.. والبحث عن المفقود

من يراقب سير الأحداث الدولية والتشكّلات السياسية العالمية الحاصلة اليوم، وخاصة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يلاحظ حدوث تغيرات جذرية في تركيبة النظام الدولي، وفي التعاطي السياسي بين اللاعبين الكبار، حيث كانت أوروبا من بين المناطق التي طالتها انعكاسات هذه التوجهات الجديدة لأقطاب السياسة الدولية، ففرنسا تحديداً ومنذ انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون، أدركت أنّ الزمن قد بدأ يتغير، وأنّ الأمور بدأت تسحب من تحت أقدام القارة العجوز، وهناك عدة مؤشرات ومعطيات تدلُّ على ذلك منها:

أولاً: تغيرات حصلت في طبيعة التحالف التاريخي بين أمريكا وأوروبا في عهد ترامب، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي.

ثانياً: صعود الصين كقطب ثانٍ في المشهد الدولي، والتيقن الأوروبي وخاصة الفرنسي من أنّ القطبين الأمريكي والصيني سيتقاسمان إدارة العالم، وسيتشكل نظام دولي جديد على مقاسهما وسيكون على حساب حصة أوروبا التقليدية.


ثالثاً: انقسامات وتغيرات حادة طالت الاتحاد الأوروبي على رأسها انسحاب بريطانيا منه، والحديث عن بدء تراجع اللحظة الاقتصادية الألمانية، وعقد بعض دول الاتحاد منفردة لاتفاقيات اقتصادية مع الصين كإيطاليا والبرتغال وغيرهما.


رابعاً: محاولات روسية جادة وحقيقية لاختراق أوروبا سياسياً واقتصادياً عبر ملف الطاقة والتواجد في «المتوسط» وغيرها، وقد جاء بعضها رداً على محاولات الاتحاد الأوروبي محاصرة روسيا عبر ضم بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق له.

خامساً: وصول بعض الدول لمكانة مرموقة في النظام الدولي سياسياً واقتصادياً وذلك على حساب أوروبا، كالصين وروسيا والهند والبرازيل وتركيا وإندونيسيا والمكسيك وكوريا وغيرهم.

سادساً: مشكلات أوروبية داخلية كثيرة ومعقّدة، كالتراجعات الاقتصادية وقضايا سكّانية عقيمة وانقسامات مجتمعية وانتشار الإسلاموفوبيا وغيرها.

سابعاً: تحولات طالت علاقة فرنسا بالدول الأفريقية، حيث تحاول هذه الدول تغيير شكل العلاقة التاريخية معها، إضافة إلى اجتياح دولي للقارة سيكون على حسابها.

وعليه، فإنّ فرنسا اليوم تبدو محاصرة دولياً وإقليمياً، إضافة إلى تنامي مشكلاتها الداخلية واعتراض الشارع الفرنسي على سياسات ماكرون «رئيس الأغنياء» كما يصفونه.

وبالتالي فإنّ محاولات ماكرون الأخيرة لتأسيس حلف عسكري أوروبي خالص وانتقاداته لحلف الناتو وبعض سياسات ترامب وغيرها، تأتي في ظل إحساس فرنسي ببدء أفول نجم الزمن الأوروبي، ورغبته في البحث عن دور فرنسي متأمل، ربما يكون قد تجاوزه الزمان والمكان.