الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

دراما العراق وإيران.. أهي مفتعلة؟

لم أجدني مشدودة إلى تلك الدراما التي تصاعدت في إيران والعراق مع بداية العام الحالي، فالأحداث بالنسبة لكثيرين بدت مفتعلة ومبرمجة على نحو واضح، وتحرش ميليشيات الحشد الشعبي بالقاعدة العسكرية الأمريكية في العراق، وقصف القوات الأمريكية لمطار بغداد، ثم اغتيال قاسم سليماني في مطار بغداد، ليليه الرد الإيراني بقصف القواعد الأمريكية في العراق، كلها محاولة شديدة وجادة لحرف الاهتمام العالمي عن الاحتجاجات الضخمة في كل من العراق وإيران، وإيجاد مسوغ استراتيجي لقمعها بعنف أكبر مما هو عليه.

هذا لا يعني أن ما حدث هو بالضرورة اتفاق مبرم بين الأمريكان والإيرانيين، ولكن مصالح الدولتين تلتقي في إجهاض المطالب الشعبية بالإصلاح في الدولتين، لأن أحد تلك المطالب يتجه نحو استقلال كلتيهما عن الاستقطابات وعن التدخل في شؤون الدول الأخرى.

إن الشعب العراقي يطمح في تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، لا دولة تحتضن معسكرات وميليشيات متعددة الجنسيات والانتماءات، ولا تستطيع تعيين وزير في الدولة دون موافقة دول أخرى من الخارج.


العراقيون لا يريدون أن يكونوا جزءاً من أدوات الآخرين في صراعاتهم، بل يريدون الحق الكامل في استثمار ثرواتهم لا أن تمتلكها دول أخرى أو توزعها على أتباعها المحليين.


ويريد الشعب الإيراني الذي تفاقمت به الأزمات الاقتصادية ونال الفقر منه الكثير، ألا توزع ثروات بلاده على حلفاء النظام في الدول المجاورة والبعيدة.. يريدون دولة قوية لكن دولة لا تفني حياة شعبها في صراع طويل وفي حروب بالوكالة من أجل الهيمنة والنفوذ، الذي لا يمكن تحقيقه مع هشاشة وضع داخلي ينخر الجوع أحشاءه.

لقد أوجعت الاحتجاجات في إيران والعراق القيادات السياسية في النظامين وجعاً بليغاً، بدأت على إثره تصدعات في النظام العراقي، وتخلخلات في الموقف السياسي الداخلي الإيراني، ثم جاءت أحداث العراق طوق نجاة لكلا النظامين، وإعادة تعبئة للروح القتالية لأنصارهما لتجاوز مأزق الاحتجاجات وإعادة توصيفها بأنها جزء من المؤامرة الكونية ضد النظامين المواجهين لقوى الاستكبار العالمي.

وفي واقع الأمر، إن الأحداث الخطيرة الأخيرة أثبتت ضرورة استقلال العراق عن كافة أنواع الاحتلال، وضرورة ضبط الدور الإقليمي المنفلت للنظام الإيراني، وهذا ما قد يعيد زخم الاحتجاجات من جديد في كلا البلدين، لأن من يدفع فاتورة تلك المقامرات السياسية هما الشعبان العراقي والإيراني من دمائهم وثرواتهم المهدرة.