الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التبعات السياسية لمشروع أمريكا ضد إيران

كان لخطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الجامعة الأمريكية بمصر، ضمن جولته للبلاد العربية، ردود فعل متباينة تراوحت بين قبول دعوته إلى انضمام الدول العربية إلى مشروع أمريكا في محاربة إيران، وبين رفض هذه الدعوة باعتبار تبعاتها السياسية التي لا أحد يستطيع أن يقدّر حجم أضرار نتائجها.

فعلا، ستكون لهذه الدعوة نتائج كارثية لن تستفيد منها إلاّ إسرائيل وحليفتها أمريكا، وبالرغم من أن الهدف الظاهري لهذا المشروع قد تمّ الكشف عنه بالتنصيص على تكوين قوة دفاعية ضد إيران تضم ثماني دول عربية فضلا عن أمريكا وإسرائيل، فإن خلفياته الحقيقية وشروط تحقيقه والكلفة المادية والمعنوية التي ستدفعها البلاد العربية ستكون سّرية في لقاء وارسو ببولندا في منتصف شهر فبراير.

ليس من مصلحة العرب الانخراط في هذه اللعبة التي تقودها أمريكا وإسرائيل للأسباب التالية:


أولا، تشهد البلاد العربية تفكّكا سياسيا واجتماعيا وهشاشة أمنية داخلية، ممّا يجعلها لا تتحمّل أيّة حرب أخرى تضاف إلى رصيدها من حروبها الداخلية.


ثانيا: سيزيد هذا الانضمام من قوة الجبهة المعارضة لأمريكا، مكوّنة من روسيا وتركيا والصين ودول أخرى مساندة لإيران، وهذا له منذ البداية كلفة اقتصادية وأمنية داخلية باهظة جدا ستنعكس مباشرة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العربي.

ثالثا: احتمال تغيير ترامب لموقفه في وسط الطريق نظرا لمزاجه المتقلّب أمام أية مصلحة تعرض عليه في سياق مفاوضة مرتقبة مع إيران، ثمّ احتمال تخلي أمريكا بعد ترامب عن هذا المشروع الذي سيطول باعتماد سياسة جديدة في المنطقة، وهذا أيضا له كلفته المتمثّلة في نكث الاتفاق والتخلي عن الدول العربية الثمانية، ثمّ عرضها للمجهول.

ان استباق أمريكا في هذه الظروف بالذات، إلى ممارسة العنف ضد إيران، يدخل ضمن أجندة دقيقة ومضبوطة لإعادة تشكيل المنطقة سياسيا وجغرافيا بما يجعل إسرائيل في المنظور الأمريكي - الإسرائيلي محور هذا التشكل الذي يكسر طموح القوى الكبرى المنافسة لها على التموقع السيادي في المنطقة.

إن استشعارها بخط حلف جديد، إبّان حرب سوريا وبعدها، ممثلا في روسيا وتركيا والصين وإيران، وبلورة هذا الحلف لإستراتيجية منفتحة معادية لمصالحها في مختلف جهات العالم، دفعها إلى مراجعة أخطائها في المنطقة باعتماد سياسة شيطنة العدو واستدراجه إلى الحرب كما هو معروف عنها.

صحيح أن إيران تشكل خطرا جدّيا على الأمن العام في المنطقة، وأنّه قد صار لها ميلشيات في العراق وفي سوريا ولبنان واليمن وغزّة، ولكن مواجهتها بالانضمام إلى ما دعا إليه بومبيو سيورط البلاد العربية في خطأ سياسي قاتل، جاز لنا أن نسمّيه بالخطأ التاريخي الذي ستكون له عواقب وخيمة على أمنها الاستراتيجي، لذا فمواجهة إيران لا تتم إلا بسياسة عربية وبرؤية استراتيجية ناجعة وفعالة.