الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

استقطابات المنطقة و«بيت النمل»

توجد نظرية تسمى «بيت النمل»، حيث تقول هذه النظرية إنه لو ظهرعندك بيت للنمل في إحدى زوايا الغرفة وبدأ ينتشر في كل أرجائها، فإن الطريقة المُثلى للسيطرة عليه لا تكون بإغلاق أو إحراق الحفرة أو محاولة قتل النمل، لأن ذلك لن يكون كافياً أو ناجعاً، وإنما تكون بحفر حفرة أخرى في الغرفة، حيث يبدأ النمل بالتوجه نحوها والدخول فيها، فتكون لحظتها قادراً على التحكم به تماماً.

ومن يدقق النظر فيما يجري بمنطقتنا اليوم من خلافات وصراعات واستقطابات وحروب واقتتالات بين مكونات سياسية وعرقية وطائفية ومناطقية واجتماعية مختلفة كالدول والأقاليم والطوائف والجماعات وحتى الأفراد، يتيقن تماماً أن نظرية «بيت النمل» تستخدم من قبل الرُعاة والأطراف الدولية ومن ينوب عنهم، كما ذكر ذلك البعض، حيث يجري افتعال لبعض الصراعات وتأجيجها والتحكم بها وإيصالها إلى طريق مسدود، مع توفير أبواب خلفية مفتوحة أو خطوط رجعة بديلة لبعض الأطراف والجهات، لإبقاء الجميع في دوامة الاختلاف والتحارب وفي حاجة دائمة إلى رعاة الصراع ومتعهديه.

فعلى المستوى الدولي، تقوم أمريكا وروسيا، مثلاً، بعقد اتفاقيات بين دول المنطقة ذات التوجهات السياسية المختلفة، وفي حين تتصارع هذه الدول فيما بينها، يكون تنسيقها وتحالفها مع نفس الدولة الكبرى، وكذلك في حالة الطوائف والأعراق والمناطق والجماعات فقد تدعم بعضهم ليتحاربوا بينهم، ثم تتخلى عنهم وتستقطب آخرين، وربما ما حصل مع الأكراد كان دليلاً على ذلك.


وفي ظل عصر الحروب بالوكالة والصراعات بالنيابة التي نعيشها اليوم، فإن نظرية «بيت النمل» تُفتعل بشكل مدروس، حيث تدفع بعض دول المنطقة لتشكيل الأحلاف والمحاورالمختلفة، وتبقى القوى الكبرى على تواصل مع جميع الفرقاء، ليتم بعدها تفكيك بعض هذه الأحلاف وتشكيل أخرى عبر سحب بعض الدول من هذه لتلك، ويُفعل مثل ذلك مع بعض الجماعات المتقاتلة، حيث بعد نصب «بيت النمل» يتم جرُّ بعض الأفراد من ذلك التشكيل إلى آخر جديد وفق مخطط معد، خصوصاً أن الأطراف الخارجية وغيرها تتمتع بالقوة والتمرّس والخبرة الكافية لذلك.


ويبقى السؤال التالي: كم من بيوت النمل حُفرت وتُحفر وستُحفر في المنطقة، وكم كان حجم الدمار والدماء والأثمان والضرائب التي دفعت وستدفع مقابل ذلك، خصوصاً من حياة ومقدّرات ومستقبل الدول والشعوب والأفراد؟