الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

أعداء على الورق.. أصدقاء في المصالح

بعض الأصوات العاقلة في إيران بدأت تتساءل أخيراً: لماذا خسرنا العالم العربي وتحولنا أمام شعوبه إلى أعداء، رغم أن الدين واحد والحضارات متقاربة، وملايين الشيعة يعيشون في الدول العربية؟

إن إيران هي التي بدأت العداء منذ الثورة الإيرانية وظهور الإمام الخميني والإصرار على تصدير الثورة للعالم العربي، وخلق كيانات عدائية في عدد من الدول العربية كالحوثي، وحزب الله في لبنان والعراق وسوريا.

إن الخلاف بين السنة والشيعة لم يكن في يوم من الأيام خلافاً سياسياً لأنه خلاف عقائدي، وقد وجدنا من العلماء المسلمين من يحاول التقريب بين المذاهب كما فعل الإمام محمود شلتوت في الأزهر الشريف وغيره من العلماء.


إن ملايين الشيعة سواء أكانوا من العرب أو من الإيرانيين يعيشون بيننا، ومنهم من وصل إلى درجة كبيرة من الثراء في المملكة العربية السعودية والإمارات وعمان والبحرين، وكانت هناك علاقات تاريخية بين إيران وشعوب هذه الدول، بل إن شاه إيران الشيعي تزوج يوماً شقيقة الملك فاروق ملك مصر، وحين تخلت أمريكا عن شاه إيران ورفضت استقباله في أراضيها، اختار مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وعاش فيها ودفن بين ترابها.


وإن دعوة الإمام الخميني إلى الثورات في العالم العربي كانت هي البداية ثم كان اضطهاد العرب السنة في إيران، وجاءت الكارثة الأكبر في الحرب بين إيران والعراق والتى استمرت 8 سنوات، خسر فيها العراقيون والإيرانيون المليارات من الدولارات ومئات الآلاف من الأرواح.

ولقد شهدت العلاقات الإيرانية العربية حالة عداء شديدة وصلت إلى تهديد إيران لاستقرار دول الخليج ما بين احتلال الجزر الإماراتية، وعدوان الحوثيين على الشرعية في اليمن، ودخول سوريا ونهب ثروات العراق مع المحتل الأمريكي.. إن وراء إيران رغبة محمومة في السيطرة على العالم العربي، فهي لم تكن جاراً منصفاً مع العراق وهو يقاوم الاحتلال الأمريكي، بل إنها قسّمت العراقيين إلى شيع وأحزاب.

لقد فرضت أمريكا عقوبات كثيرة على إيران، ولكن هذا التحدي لم يؤثر على قدرات إيران الحقيقية، فقد تقدمت صناعياً لأنها طورت إمكانياتها حتى أصبحت على أبواب إنتاج السلاح النووي، وأصبحت المواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران قراراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً بين الدولتين، واستفادت أمريكا كثيراً من المواجهة مع إيران، واستفادت إيران هي الأخرى كثيراً من العقوبات الأمريكية، وكان العالم العربي أول الخاسرين. والصورة اليوم تبدو الآن غاية في الغموض، فلقد جاءت أمريكا إلى الشرق الأوسط بحجة الحرب مع إيران، فلا هي حاربت ولا هي رجعت إلى بلادها، ويبدو أنها لن ترجع، وإيران تمضي في بناء دولة حديثة رغم كل التحذيرات والمخاوف الأمريكية، والعالم العربي يقف حائراً ما بين أعداء يتفاوضون على اقتسام الغنائم، والمسلسل لماضٍ كما هو الآن.. أعداء على الورق وأصدقاء في المصالح.