الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

النهضة.. العزف على التناقضات

في سياق التجاذبات السياسية المتصلة بمسار تشكيل الحكومة التونسية، أكد إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة المكلف، أنه انطلق في مشاوراته مع الأحزاب التي ستكون الحزام السياسي للحكومة.

ما يلاحظ في السياق الذي سبق اطلالة الفخفاخ الأخيرة، هو أن السجال السياسي ركز على استبعاد حزب«قلب تونس» من المشاورات، وتبعا لذلك من امكانية التواجد في الحكومة، وهنا كانت حركة النهضة حاضرة بمواقفها المتناقضة، وبخلفيات دفاعها عن «الشريك اللدود».

قبل تلك الاطلالة أعلن الفخفاخ انطلاقه في استقبال ممثلي الأحزاب السياسية الممثلة وغير الممثلة في البرلمان، وكان حزب قلب تونس غائبا. هذا فيما أصدرت النهضة قبل ذلك بيانا غائما شددت فيه على استعدادها للمشاركة في «حكومة مصغرة، تتكون من كفاءات حزبية وسياسية وتتوفر على أوسع قاعدة حزبية وبرلمانية في حكومة وحدة وطنية لا تقصي إلا من أقصى نفسه»، ثم أكد راشد الغنوشي بعد لقائه الفخفاخ على حرص الحركة على «أن يكون قلب تونس ضمن الائتلاف الحكومي».


المفارقة أن الغنوشي، نفسه، قال عند انطلاق مشاورات تشكيل حكومة الحبيب الجملي «لن نشارك بحكومة فيها حزب قلب تونس».. فما الذي يفسر انقلاب النهضة على مواقفها السابقة ودفاعها المستميت عن قلب تونس؟.


أبويعرب المرزوقي، فيلسوف النهضة، صرّح قبل يوم من إطلالة الفخفاخ، أنه «إذا قبلت النهضة إقصاء قلب تونس فسيكون دورها بعده حتما».

في عمق الانقلاب النهضوي في المواقف، دواعٍ أبعد من مجرّد البحث عن تموقع سياسي أو تحسين شروط التفاوض، وفي عمق المواقف النهضوية تخوف قديم مما تسميه النهضة «الاستئصال»، بما يعنيه من إحالة على مرحلة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، أو بما يحيل إليه من استدعاء لفكرة «المظلومية» الضاربة في عمق الأدبيات الإخوانية.

تشعر النهضة أن «حكومة الرئيس» التي انطلق الفخفاخ في مشاورات تشكيلها، والتي تضمنت اتفاقاً مضمراً بينه وبين رئيس الجمهورية على طبيعة القوى التي ستتشكل منها الحكومة، وقلب تونس خارج هذه القائمة، هي نوع من تكتل الرئاستين ضد السلطة التشريعية التي تحتكرها النهضة.

وهنا اختارت النهضة اعتبار الخوف من الاستئصال أكثر أهمية من الخوف من استشراء الفساد، وحاولت العزف على كل الأوتار، وتر الحكومة الثورية والوفاء للثورة، مع وتر تجنب الإقصاء بما يعنيه من تحالفات مع قوى عليها لوثة الفساد ومرتبطة بالنظام السابق، ولن يكون بوسع حركة النهضة أن تواصل القفز بين التناقضات، وأن تضع قدما في كل الخيارات.