الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مؤتمر«برلين».. وولادة النُّخب

ما حدث في مؤتمر برلين حول ليبيا، هو نموذج مثالي في علم العلاقات الدولية المعاصر على المناورات السياسية الذكية والمعتمدة على عنصري الإعلام والعلاقات العامة «والخاصة،» وتوظيف كل ذلك بشكل جيد ومثمر.

وما ظهر على السطح (وهو واقعيا صحيح)، أن السيدة أنجيلا ميركل استطاعت أن تجمع العالم ليوم كامل بكل الضجيج الممكن والمدروس بعناية في عاصمتها، لتحبط المخطط التركي المدعوم روسياًّ للتدخل في ليبيا، وتموضعها شمال القارة الأفريقية بشكل استراتيجي مهددة التخوم الجنوبية لأوروبا، المطلة على المتوسط الذي يتوسط العالم فعلا.

وكما وصفها بعض المحللين، كانت ضربة معلم ألمانية بإسناد فرنسي، قلب الطاولة على كل مخططات أنقرة الطامحة لتوسيع نفوذها بشكل غير مسبوق، وبنهج «استعماري» لم يعد مخفيا على أحد.


لكن، ما رشح من معلومات من مصادر أثق بها كانت في برلين، أن خطة «ميركل» الالتفافية والناجحة ما كانت لتكون لولا دعم عميق ومخفي «تحت السطح» مصدره جماعات مصالح نافذة وقوية في الكواليس، استطاعت أن تمارس وبهدوء «مفاوضات الكردورات» وتعمل على تفعيل ضغوطها بدون ضجيج، وهذه القوى النافذة هي بغالبيتها من أصول عربية بجنسيات أوروبية، تملك المال والنفوذ والأهم أنها تملك الطموحات لتفعيل قواها في سبيل التغيير للأفضل.


وحسب المصدر الذي ساق لي كل تلك التفاصيل التي لا يتسع لها مقال واحد، فإن تلك القوى الأوروبية بكل ما تملك من ولاء، والعربية الأصول تحمل قناعاتها الراسخة والشخصية بضرورة تغيير الواقع العربي بعيدا عن أي أجندات موجودة في الشرق الأوسط، مستقلين ماليا وسياسيا عن أي تأثير من أي أنظمة إقليمية او دولية، وهدفها يستند على معادلة واضحة ومحسومة: الحفاظ على الوطن الأوروبي من الأخطار الراديكالية لا يأتي إلا بشرق أوسط خال من قوى التطرف.

هم ليسوا سياسيين بالاحتراف، لكنهم أصحاب مصالح ورجال أعمال ونافذين بيروقراطيين، جمعتهم الفكرة، وتواصلوا مع صانعي القرار، فكان حضورهم في برلين خاليا من أي استعراض كأنهم أشباح، وظفوا طاقتهم في كل ما هو ممكن لتنفيذ الممكن سياسيا، فكانوا الإسناد الأفضل لميركل، وربما أفضل مجموعة إستشارية للمستشارة الألمانية، التي استطاعت أن تعيد ألمانيا كوسيط ممتاز في أزمات الشرق الأوسط.

ربما كان أهم نتائج مؤتمر برلين غير المعلنة، هو ولادة تلك النخب الاستشارية الأوروبية الجديدة من أصول عربية في أوروبا، والتي لا أشك أنه سيكون لها أدوار أكبر في مستقبل المنطقة برمتها.