الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

لعبة الشطرنج في شرق المتوسط

تشهد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، لعبة شطرنج بين القوى الإقليمية والخارجية، وتتألف هذه القوى بشكل أساسي من تركيا وإسرائيل ومصر واليونان وقبرص، وهي الدول المنشغلة الآن بهذه اللعبة، وبدأت روسيا الاشتراك فيها مؤخراً بحماسة تثير الشكوك.

وفي 27 نوفمبر من السنة الماضية، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة اتفاقيات مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس والتي تحظى باعتراف دولي ويرأسها فايز السرّاج، وتمنح إحدى الاتفاقيات التي تم توقيعها في ذلك اليوم، الحق لتركيا في نشر قوات عسكرية فوق الأراضي الليبية، تسمح بتوجيه قوات وجنود حكومة طرابلس لتحقيق مجموعة من الأهداف.

وبالتزامن مع هذا التطور، تمكن أردوغان من انتزاع موافقة غير عادية من السراج تتعلق بالحدود البحرية، كانت لها تداعياتها القوية على العلاقات بين دول منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.


وتنص "الاتفاقية التركية -الليبية لترسيخ الحدود البحرية" على تأسيس جرف قاري، ومناطق اقتصادية خاصة ضمن النطاقات البحرية الواقعة بين البلدين.


وأشارت بوضوح إلى أن تركيا وليبيا تمتلكان معاً منطقة بحرية خاصة في البحر الأبيض المتوسط، تمنع الدول الأخرى من التنقيب فيها عن حقول النفط والغاز البحري وإنشاء خطوط أنابيب النقل.

وبالطبع، هذه اتفاقية لا يقرها ولا يعترف بها أحد غير الدولتين الموقعتين عليها، وكان من الواضح أنها ليست أكثر من حركة في لعبة الشطرنج تهدف إلى تعطيل العمل بمشروع "أنبوب شرق المتوسط" لنقل الغاز، الذي عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي 2 يناير الجاري، طار نتنياهو إلى أثينا لتوقيع اتفاقية مع اليونان وقبرص، ويثير بزيارته تلك ضجة أكبر، حيث أشار إلى أن مشروع الأنبوب المقترح سوف ينقل الغاز من شاطىء قبرص عبر جزيرة كريت وشبه جزيرة بيلوبونيس في اليونان، ثم يعبر إيطاليا حتى يصل إلى المستهلكين في أوروبا الغربية.

وبوجود الاتفاقية بين تركيا وليبيا يتضح أن إمكانية تنفيذ مشروع "أنبوب شرق المتوسط" يصبح غامضاَ أو مستحيل التنفيذ من النواحي التقنية والاقتصادية والسياسية، وتعتريه الكثير من الصعوبات والعراقيل.

والسؤال المهم هنا يتعلق بما إذا كان حقل الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط من الضخامة بحيث يحقق الآمال المعقودة عليه؟.

لقد بدأت إسرائيل بالفعل في 15 يناير الجاري بنقل الغاز الطبيعي المسال من حقل "ليفياثان" إلى مصر. ولا شك أن ذلك سوف يقوّي العلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية بين الدولتين، ومن المنتظر أن تعوض مصر النقص في احتياجاتها الفورية من الطاقة عن طريق هذا الخط، وأن تعمل على تطوير منشآت تصدير الغاز إلى دول أخرى لتصبح دولة وسيطة لنقل الطاقة، وهو مكسب استراتيجي حقيقي ومهم.

وإذا كتب النجاح لخط أنبوب شرق المتوسط، فهل سيتبقى شيء من الغاز لمصر؟.. عندما يسعى نتنياهو لإظهار الصورة الوردية لمشروعه لليونان ومصر، فإنه يحاول بذلك اصطياد عصفورين بحجر واحد.